[ ص: 3 ] المتعة 1980 - مسألة : فرض على كل مطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا - أو آخر ثلاث - وطئها أو لم يطأها - فرض لها صداقها أو لم يفرض لها شيئا - : أن يمتعها ، وكذلك المتعة أيضا ويجبره الحاكم على ذلك - أحب أم كره . المفتدية
ولا متعة على من ولا يسقط التمتع عن المطلق مراجعته إياها في العدة ولا موته ولا موتها - . انفسخ نكاحه منها بغير طلاق
والمتعة لها أو لورثتها من رأس ماله يضرب بها مع الغرماء ، وإن تعاسر في المتعة قضى على الموسر لها سواء كان عظيم اليسار أو زاد فضلة عن قوته وقوت أهله خادم يستقل بالخدمة .
وعلى من لا فضلة عنده عن قوت أهله ونفسه ثلاثون درهما بالعراقي وهو الدرهم الذي تجب الزكاة فيه وقد ذكرناه في " كتاب الزكاة " .
ويقضي على المقل ولو بمد أو بدرهم - على حسب طاقته برهان ذلك قول الله تعالى : { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } فعم عز وجل كل مطلقة ولم يخص وأوجبه لها على كل متق يخاف الله تعالى .
وقد اختلف الناس في وجوبها - : فروي عن طائفة : أنها ليست واجبة - : روينا ذلك من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن . قال فقهاء المدينة السبعة : أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الزناد - ضعيف
- وهو قول ، ابن أبي ليلى وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، . ومالك
[ ص: 4 ] ومن عجائب الدنيا احتجاج من قلده لقولهم هذا بأن الله تعالى إنما أوجبها على المتقين والمحسنين لا على غيرهم ؟ .
فقلنا لهم : فهبكم صادقين في ذلك ، أتوجبونها أنتم على من أوجبها الله تعالى عليه من المتقين والمحسنين أو لا ؟ فإن قالوا : لا ، أقروا بخلافهم لقول الله تعالى ، وأبطلوا احتجاجهم المذكور ، وإن قالوا : نعم ، تركوا مذهبهم .
وقالت طائفة : هي فرض على المتقين ، والمحسنين - واحتجوا بظاهر كلام الله تعالى - : كما روينا من طريق عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني قال : شهدت محمد بن سيرين وأتوه من متاع ، فقال : لا تأب أن تكون من المتقين ؟ قال : إني محتاج قال : لا تأب أن تكون من المحسنين ؟ قال شريحا أيوب : قلت : لكل مطلقة متاع ؟ قال : نعم ، إن كان من المتقين ، إن كان من المحسنين ، قال لسعيد بن جبير أيوب : وسأل عكرمة رجل فقال : إني طلقت امرأتي فهل علي متعة ؟ قال : إن كنت من المتقين ، فنعم .
قال : كل مسلم هو على أديم الأرض ، فهو بقوله لا إله إلا الله محمد رسول الله من جملة المتقين بقوله ذلك ، وإيمانه ، ومن جملة المحسنين - ولله تعالى أن يخلده في النار إن لم يسلم . أبو محمد
فكل مسلم في العالم فهو محسن متق ، من المحسنين المتقين .
ولو لم يقع اسم " محسن ، ومتق " إلا على من يحسن ويتقي في كل أفعاله : لم يكن في الأرض محسن ، ولا متق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا بد لكل من دونه من تقصير ، وإساءة لم يكن فيها من المحسنين ، ولا من المتقين .
فكان على هذا يكون كلام الله تعالى : { حقا على المحسنين } { حقا على المتقين } فارغا ولغوا وباطلا ، وهذا لا يحل لأحد أن يعتقده .
ولا فرق بين قوله تعالى { من المحسنين } و { من المتقين } وبين قوله تعالى { من المسلمين } و { من المؤمنين } والمعنى في كل ذلك واحد ، ولا فرق .
فإن ذكروا : ما رويناه من طريق عن وكيع عن شعبة عن قتادة . [ ص: 5 ] نسخت هذه الآية : { سعيد بن المسيب وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة } التي بعدها { وللمطلقات متاع بالمعروف } .
[ ص: 6 ] قلنا : لا يصدق أحد على إبطال حكم آية منزلة إلا بخبر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وليس في الآية التي ذكر شيء يخالف التي زعم أنها نسختها ؟ فكلتاهما حق .
وقالت طائفة : لا تجب المتعة إلا للتي طلقت قبل أن توطأ - ، وإن لم يسم لها صداق - فهذه تجب لها المتعة فرضا .
كما روينا من طريق أنا إسماعيل بن إسحاق علي بن عبد الله بن المديني أنا عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار عن عن عطاء قال : إذا ابن عباس ؟ فليس لها إلا المتاع . فوض إلى الرجل فطلق قبل أن يمس
قال : ليس في هذا دليل على أنه لم يكن يرى لغيرها المتعة ، إلا أن هذا القول قول أبو محمد ، سفيان الثوري ، والحسن بن حي والأوزاعي ، ، وأصحابه . وأبي حنيفة
إلا ` أن الأوزاعي قال : . لا متعة على عبد
إلا أن قال : من أبا حنيفة ، فإن ذلك المهر يبطل ، ولا يجب لها إلا المتعة . تزوج ولم يذكر مهرا ثم فرض لها مهرا برضاه وبرضاها - وقد فرض لها القاضي مهر المثل - ثم طلقها قبل أن يدخل بها
[ ص: 7 ] قال : وهذا فاسد جدا ، وقول بلا برهان : إسقاط فرض أمر به الله تعالى بعد التزامه أو إلزامه بغير حق . أبو محمد
واحتج هؤلاء بقول الله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن } .
قال : لو لم يكن إلا هذه الآية لكان قوله هذا حقا ، لكن قول الله تعالى : { علي وللمطلقات متاع بالمعروف } جامع لكل مطلقة مفروض لها ، أو غير مفروض لها ، مدخول بها ، أو غير مدخول بها - ولم يقل عز وجل في أول الآية التي نزعوا بها : أنه لا متعة لغيرها ؟ فظهر بطلان قولهم - والحمد لله رب العالمين .
وقالت طائفة : لكل مطلقة متعة ، إلا التي طلقت قبل أن تمس وقد فرض لها بحسبها نصف ما فرض لها .
بما روينا من طريق أنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، قال : لكل مطلقة متعة ، إلا التي لم يدخل بها . ابن عمر
ومن طريق أنا ابن وهب ، الليث ، قالا جميعا : أنا ومالك أن نافع كان يقول : لكل مطلقة متعة - التي تطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا - إلا أن تكون امرأة طلقها زوجها قبل أن يمسها وقد فرض لها فريضة فحسبها فريضتها ، وإن لم يكن فرض لها ، فليس لها إلا المتعة - وهو قول ابن عمر ، شريح ، وصح عن ومجاهد . إبراهيم
ورويناه عن القاسم بن محمد وعبد الله بن أبي سلمة .
قال : ويبطل هذا القول أن الله تعالى إذ ذكر : أن لها نصف ما فرض لها ، لم يقل : ولا متعة لها . أبو محمد
[ ص: 8 ] وقد أوجب لها المتعة بقوله الصادق : { وللمطلقات متاع بالمعروف } وهذه مطلقة فلها المتعة فرضا مع نصف ما فرض لها .
وقول غريب - رويناه من طريق عن ابن وهب عن يونس بن يزيد ، قال : إنما يؤمر بالمتاع من لا ردة عليه ، ولا تحاص الغرماء ، ليست على من ليس له شيء - وهذا قول لا برهان على صحته ، فهو ساقط . ربيعة
وطائفة قالت كقولنا - كما روينا من طريق عن ابن وهب يحيى بن أيوب عن موسى ابن أيوب الغافقي عن إياس بن عامر : أنه سمع يقول : لكل مطلقة متعة . علي بن أبي طالب
ومن طريق عن ابن وهب عن مالك الزهري قال : لكل مطلقة متعة .
ومن طريق عن ابن وهب قال : سئل يونس بن يزيد ابن شهاب عن المملكة والمخيرة ؟ فقال ابن شهاب : كل مطلقة في الأرض لها متاع .
ومن طريق عبد الرزاق عن عن معمر الزهري ، قال : ، التي جمعت ، والتي لم تجمع سواء . للمختلعة المتعة
ومن طريق عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني قال : لكل مطلقة متعة وتلا : { سعيد بن جبير وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } .
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر ، قال : لكل مطلقة متعة . أبي قلابة
ومن طريق أنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : لكل امرأة افتلتت نفسها من زوجها فلها المتعة . عطاء
[ ص: 9 ] ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري حماد أبي سليمان عن قال : للمختلعة المتعة . إبراهيم النخعي
ومن طريق أنا سعيد بن منصور أنا هشيم عن يونس بن عبيد الحسن قال : لكل مطلقة متاع . ومن طريق عن عبد الرزاق ، قال : للمملوكة ، واليهودية والنصرانية : المتعة إذا طلقت . سفيان الثوري
قال : من عجائب أصحاب القياس - أن الله عز وجل أوجب العدة - : على كل متوفى عنها زوجها من الزوجات - وعلى كل مطلقة موطوءة منهن - وعلى المعتقة المختارة فراق زوجها - وأوجب المتعة للمطلقات جملة . أبو محمد
فقاسوا بآرائهم كل من ليست له زوجة ، لكن وطئت بعقد مفسوخ فاسد ، لا يوجب ميراثا على الزوجة الصحيحة الزواج في إيجاب العدة عليهما .
وأسقطوا كثيرا من المطلقات عن إيجاب المتعة لهن ، فهل سمع بأعجب من فساد هذا العمل - ونسأل الله العافية .
وأما - فروينا من طريق مقدار المتعة عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى بن عقبة أن نافع قال : أدنى ما أراه يجزي في المتعة ثلاثون درهما . ومن طريق ابن عمر عن وكيع عن سفيان الثوري إسماعيل بن أمية عن عكرمة عن قال : أعلى المتعة ; الخادم ، ودون ذلك : النفقة والكسوة . ومن طريق ابن عباس عن وكيع عن سفيان الثوري عن عمرو بن عبيد الحسن في المتعة للمطلقة - قال : ليس فيها شيء مؤقت يمنعها على قدر الميسرة . ومن طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال : لا أعلم للمتعة وقتا ، قال الله تعالى : { عطاء على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } .
وقال : أعلى ما يجبر عليه من المتعة : عشرة دراهم ، وأدنى ذلك : خمسة دراهم . أبو حنيفة
[ ص: 10 ] وهذا قول لا دليل عليه ؟ وهبك أنه قاس العشرة دراهم على ما تقطع فيه اليد ؟ فعلى أي شيء قاس الخمسة دراهم ؟ قال : لو أن الله تعالى وكل المتعة إلى المتمتع لوقفنا عند أمره عز وجل وألزمناه ذلك ؟ كما يفعل في إيتاء المكاتب من مال المكاتب لكنه تعالى ألزمه على قدر اليسار والإقتار ، فلزمنا فرضا أن نجعل متعة الموسر غير متعة المقتر ولا بد - ولم نجد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدا وجب حمل ذلك على المعروف عند المخاطبين بذلك ، فوجب بهذا الرجوع إلى ما صح عن الصحابة - رضي الله عنهم - في ذلك ، كما فعلنا في جزاء الصيد فما كان هو المعروف عندهم في المتعة ، فهو الذي أراد الله عز وجل بلا شك ، إذ لا بد لما أمر الله تعالى به من بيان ، فقد كان فيهم - رضي الله عنهم - الموسر المتناهي ، أبو محمد ، وغيره ، وكان كعبد الرحمن بن عوف ، ابن عباس موسرين دون وابن عمر عبد الرحمن .
ومما يبين وجوب الرجوع إلى ما رآه الصحابة - رضي الله عنهم - أنه متعة بالمعروف ، كما قلنا في النفقة ، والكسوة ، إذ قال الله تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } وقد وافقنا المخالفون على هذا ، وكلا النصين واجب اتباعه .
وما أنا محمد بن سعيد بن نبات أنا ابن مفرح أنا عبد الله بن جعفر بن الورد أنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف أنا أنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عبد الله بن يزيد مولى الأسود عن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف نفسها قالت : طلقني فاطمة بنت قيس أبو عمرو بن حفص ألبتة ثم خرج إلى اليمن ووكل بها عياش بن أبي ربيعة فأرسل إليها عياش بعض النفقة ، فسخطتها ؟ فقال لها عياش : ما لك علينا نفقة ولا سكنى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه ؟ فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما قال ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم { } ، وذكرت باقي الخبر . ليس لك نفقة ولا مسكن ، ولكن متاع بالمعروف واخرجي عنهم
[ ص: 11 ] فهذا غاية البيان - أن المتعة مردودة إلى ما كان معروفا عندهم يومئذ ، فقد ذكرنا قول ، ابن عمر . وابن عباس
وروينا من طريق أنا سعيد بن منصور عبد الرحمن بن زياد أنا عن شعبة قال : سمعت سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حميد بن عبد الرحمن بن عوف يحدث عن أمه - هي ، من المهاجرات الفواضل لها صحبة - أنها قالت : كأني أنظر إلى جارية سوداء حممها أم كلثوم بنت عقبة امرأته عبد الرحمن بن عوف أم أبي سلمة حين طلقها في مرضه . قال : أنا سعيد بن منصور أنا هشيم مغيرة عن قال : إبراهيم العرب تسمي " المتعة " التحميم .
فقد اتفق ، ابن عباس ، بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - لا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - على أن وعبد الرحمن - خادم سوداء ، فإن زاد على ذلك فهو محسن ، كما فعل متعة الموسر المتناهي ، وغيره ، فإن كانت غير مطيقة للخدمة فليست خادما ، فعلى هذا المقدار يجبر الموسر إذا أبى أكثر من ذلك . الحسن بن علي
وأما المتوسط - فيجبر على ثلاثين درهما أو قيمتها إذ لم يأت عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - أقل من ذلك كما روينا آنفا عن ابن عباس إذ رأيا ذلك هو المعروف . وابن عمر
وأما المقتر - فأقلهم من لا يجد قوت يومه ، أو لا يجد زيادة على ذلك ، فهذا لا [ ص: 12 ] يكلف حينئذ شيئا ، لكنها دين عليه ، فإذا وجد زيادة على قوته كلف أن يعطيها ما تنتفع به - ولو في أكلة يوم - كما أمر الله عز وجل إذ يقول : { وعلى المقتر قدره } وبالله تعالى التوفيق .