برهان ذلك - : أنه ليس إلا موسر ، أو غني ، أو فقير ، أو مسكين ، في الأسماء . ومن له فضل عن قوته . ومن لا يحتاج إلى أحد وإن لم يفضل عنه شيء . ومن له ما لا يقوم بنفسه منه . ومن لا شيء له فهذه مراتب أربع معلومة بالحس .
فالموسر بلا خلاف : هو الذي يفضل ماله عن قوته وقوت عياله على السعة .
والغني : هو الذي لا يحتاج إلى أحد وإن كان لا يفضل عنه شيء ; لأنه في غنى عن غيره .
وكل موسر غني ، وليس كل غني موسرا - : فإن قيل : لم فرقتم بين المسكين ، والفقير ؟ قلنا : لأن الله تعالى فرق بينهما ، ولا يجوز أن يقال في شيئين فرق الله تعالى بينهما : إنهما شيء واحد ، إلا بنص أو إجماع أو ضرورة حس ; فإذ ذلك كذلك فإن الله تعالى يقول : { وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } سماهم الله تعالى مساكين ولهم سفينة ; ولو كانت تقوم بهم لكانوا أغنياء بلا خلاف . فصح اسم المسكين بالنص لمن هذه صفته .
وبقي القسم الرابع : وهو من لا شيء له أصلا ; ولم يبق له من الأسماء إلا الفقير ، فوجب ضرورة أنه ذاك . وروينا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا أخبرنا نصر بن علي عبد الأعلى ثنا عن معمر الزهري عن عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } . قال ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان ، والتمرة والتمرتان ، قالوا : فما المسكين يا رسول الله ؟ قال : المسكين الذي لا يجد غنى ، ولا يفطن لحاجته فيتصدق عليه : فصح أن المسكين هو الذي لا يجد غنى إلا أن له شيئا لا يقوم له ، [ ص: 273 ] فهو يصبر وينطوي ، وهو محتاج ولا يسأل . وقال تعالى : { أبو محمد للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } فصح أن الفقير الذي لا مال له أصلا ; لأن الله تعالى أخبر أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم . ولا يجوز أن يحمل ذلك على بعض أموالهم . فإن قيل : قال الله تعالى : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } .
قلنا : صدق الله تعالى : وقد يلبس المرء في تلك البلاد إزارا ورداء خلقين غسيلين لا يساويان درهما ، فمن رآه كذلك ظنه غنيا ، ولا يعد مالا ما لا بد منه مما يستر العورة ، إذا لم تكن له قيمة - وذكروا قول الشاعر :
أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد
وهذا حجة عليهم ; لأن من كانت حلوبته وفق عياله فهو غني ، وإنما صار فقيرا إذا لم يترك له سبد ، وهو قولنا ؟ والعاملون عليها : هم العمال الخارجون من عند الإمام الواجبة طاعته ، وهم المصدقون ، السعاة ؟ قال : وقد اتفقت الأمة على أنه ليس كل من قال : أنا عامل عاملا ، وقد قال عليه السلام : { أبو محمد } فكل من عمل من غير أن يوليه الإمام الواجبة طاعته فليس من العاملين عليها ; ولا يجزئ دفع الصدقة إليه ، وهي مظلمة ، إلا أن يكون يضعها مواضعها ، فتجزئ حينئذ ; لأنها قد وصلت إلى أهلها . وأما عامل الإمام الواجبة طاعته فنحن مأمورون بدفعها إليه ; وليس علينا ما يفعل فيها ; لأنه وكيل ، كوصي اليتيم ولا فرق ، وكوكيل الموكل سواء سواء . من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردوالمؤلفة قلوبهم : هم قوم لهم قوة لا يوثق بنصيحتهم للمسلمين فيتألفون بأن [ ص: 274 ] يعطوا من الصدقات ، ومن خمس الخمس
والرقاب : هم المكاتبون ، والعتقاء ; فجائز أن يعطوا من الزكاة .
وقال : لا يعطى منها المكاتب . وقول غيره : يعطى منها ما يتم به كتابته . مالك
وقال : وهذان قولان لا دليل على صحتهما ؟ أبو محمد
وبأن المكاتب يعطى من الزكاة يقول ، أبو حنيفة ؟ وجاز أن يعطى منها مكاتب الهاشمي ، والمطلبي ; لأنه ليس منهما ، ولا مولى لهما ما لم يعتق كله ؟ وإن والشافعي رقابا فولاؤها للمسلمين لأنه لم يعتقها من مال نفسه ولا من مال باق في ملك المعطي الزكاة . أعتق الإمام من الزكاة
فإن أعتق المرء من زكاة نفسه فولاؤها له ; لأنه أعتق من ماله ، وعبد نفسه ; وقد قال عليه الصلاة والسلام : { } وهو قول إنما الولاء لمن أعتق . وروينا عن أبي ثور : أعتق من زكاتك . ابن عباس
فإن قيل : إنه إن مات رجع ميراثه إلى سيده . قلنا : نعم هذا حسن ، إذا بلغت الزكاة محلها فرجوعها بالوجوه المباحة حسن ، وهم يقولون فيمن فوجب ميراثه للمعطي : إنه له حلال ، وإن كان فيه عين زكاته . تصدق من زكاته على قريب له ثم مات
والغارمون : هم الذين عليهم ديون لا تفي أموالهم بها ، أو من تحمل بحمالة وإن كان في ماله وفاء بها ; فأما من له وفاء بدينه فلا يسمى في اللغة غارما ؟ - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن النضر بن مساور ثنا عن حماد بن سلمة حدثني هارون بن رئاب كنانة بن نعيم عن قبيصة بن المخارق قال : { تحملت بحمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها ؟ فقال : أقم يا [ ص: 275 ] قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، أو قال : سدادا من عيش } وذكر الحديث .
وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي أبو داود ثنا الحسن بن علي ثنا ثنا عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : { أبي سعيد الخدري } . وقد روي هذا الحديث عن غير لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني فأوقفه بعضهم ، ونقص بعضهم مما ذكر فيه معمر ، وزيادة العدل لا يحل تركها ؟ فإن قيل : قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج من سبيل الله . معمر
وصح عن أن يعطى منها في الحج . قلنا : نعم ، وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى ، إلا أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في ابن عباس ، فلم يجز أن توضع إلا حيث بين النص ، وهو الذي ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق . قسمة الصدقات
وابن السبيل : هو من خرج في معصية فاحتاج ؟ وقد روينا من طريق : ثنا ابن أبي شيبة أبو جعفر عن عن الأعمش حسان عن عن مجاهد : أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل زكاته في الحج وأن يعتق منها النسمة ؟ [ ص: 276 ] وهذا مما خالف فيه الشافعيون ، والمالكيون ، والحنفيون : صاحبا ، لا يعرف منهم له مخالف . ابن عباس