الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فصل الطاهر ميت ما لا دم له )

                                                                                                                            ش : لا خفاء في مناسبة هذا الفصل للذي قبله ; لأنه لما ذكر [ ص: 87 ] فيه أن ما تغير بطاهر طاهر ، وما تغير بنجس نجس احتاج إلى بيان الأشياء الطاهرة والأشياء النجسة ، وقدم الطهارة ; لأن الأصل في الأشياء الطهارة فقال الطاهر ميت ما لا دم له يعني أن الطاهر أنواع : منها ميتة الحيوان البري الذي لا دم فيه وهو الذي يقال فيه ليس له نفس سائلة كما تقدم بيان ذلك ولو كانت فيه رطوبة كالعنكبوت والجداجد والعقرب والزنبور والصرصار والخنافس وبنات وردان والجراد والنحل والدود والسوس وفي ميتة ما لا نفس له سائلة طريقتان في المذهب : الأولى أنها طاهرة باتفاق وهذه طريقة ابن بشير قال في العتبية وأما البري مما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت بلا خلاف انتهى .

                                                                                                                            والطريقة الثانية أن فيها قولين المشهور أنها طاهرة ، قال في التوضيح نقل سند عن سحنون أنها نجسة لكنها لا تنجس غيرها انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن عرفة ميتة بري ذي نفس سائلة غير إنسان كالوزغ نجس ونقيضها طاهر وفي الآدمي قولان لابن شعبان مع ابن عبد الحكم وابن القصار مع سحنون ثم قال ابن نافع وأشهب ميتة غير ذي النفس السائلة نجسة وسمعا لا بأس بأكل ما مات فيه خشاش ويبينه إن باعه ابن رشد بناء على عدم شرط ذكاته كقول القاضي خلافا لابن حبيب قال ابن عرفة قلت : المفرع على عدم شرط ذكاته أكله لا أكل ما حل فيه لثبوته على شرط ذكاته إن بين على المشهور انتهى .

                                                                                                                            فصدر بالحكم بطهارة ميتة ما لا نفس له سائلة ، ثم ذكر عن أشهب وابن نافع نجاستهما وأنه يؤكل ما مات فيه الخشاش والذي يتحصل من كلامه في التنبيهات أنه إذا لم يتفرق ويتقطع في الماء والطعام ولم يطل مكثه فلا إشكال في طهارة الماء والطعام وفي جواز أكله كما أنه لا خلاف أنه إذا تفرق فيه وتغير منه الماء أن له حكم الماء المضاف وهل هو نجس أم لا اختلف فيه ومذهب أشهب تنجيس ما خالطه بطبخ أو شبهه وأنكره عليه سحنون قال : والصواب أن لا ينجس ما لا نفس له سائلة كيف كان ، وأما أكل الطعام إذا تحلل فيه أو طبخ فاختلف فيه أيضا والصواب أن لا يؤكل إذا كان مختلطا به وغالبا عليه ، وإن تميز الطعام منه أكل دونه إذ لا يؤكل الخشاش على الصحيح من المذهب إلا بذكاة ، وإن كان بعض الشيوخ خرج أكله بغير ذكاة على الخلاف في الجراد وإليه ذهب القاضي أبو محمد عبد الوهاب وبه قال أبو الحسن انتهى . فانظر كيف صرح بأن الصحيح في المذهب أن الخشاش لا يؤكل إلا بذكاة وابن رشد إنما عزاه لابن حبيب كما تقدم في كلام ابن عرفة وظاهر كلام اللخمي أن ميتة ما لا نفس له سائلة نجسة وأنها تنجس ما لاقته ، ونقله عنه أبو الحسن وقال ابن نافع وأشهب : إن ميتة ما لا نفس له سائلة نجسة وعزاه لسحنون وليس منه الوزغ والسحالي ولا شحمة الأرض قاله في الطراز قال : وقال بعض الشافعية الوزغ من الخشاش وهو غلط ; لأنها ذات لحم ودم ، ومن جنس الحنش ، وقال في كتاب الذبائح الثاني لا يؤكل الوزغ والله أعلم .

                                                                                                                            والخشاش بفتح الخاء وتخفيف الشين المعجمتين قال في التنبيهات ويقال بكسر الخاء وحكى أبو علي فيها الضم أيضا هو صغار دواب الأرض انتهى .

                                                                                                                            والجداجد جمع جدجد قال في القاموس في فصل الجيم من باب الدال المهملة : والجدجد كهدهد مثل الجراد ، وقال في الصحاح في فصل الجيم من باب الدال المهملة : والجدجد بالضم صرار الليل وهو قفاز وفيه شبه من الجراد والجمع الجداجد والجدجد بالفتح الأرض الصلبة انتهى .

                                                                                                                            والصرار قال في التنبيهات بالصاد المهملة وتشديد الراء الأولى هو الجدجد سمي بصوته ، يقال صر وصرصر إذا صاح ، وقال في الصحاح وصرار الليل الجدجد وهو أكبر من الجندب وبعض العرب يسميه الصرى انتهى .

                                                                                                                            والزنبور قال في التنبيهات بضم الزاي معلوم انتهى . وقال في الصحاح الزنبور الدبر وهو يؤنث والزنبار لغة فيه والجمع الزنابير [ ص: 88 ] وأرض مزبرة كثيرة الزنابير كما أنهم ردوه إلى ثلاثة أحرف وحذفوا الزيادات كما قالوا أرض معقرة ومثعلة أي كثيرة العقارب والثعالب انتهى . وقال ابن سيده الزنبور أمير النحل والزنبور الخفيف الظريف انتهى .

                                                                                                                            والخنافس جمع خنفس وقال في التنبيهات بضم الخاء والمد معلوم انتهى . وقال في الصحاح ويقال لهذه الدويبة خنفساء بفتح الخاء ممدودة والأنثى خنفساءة انتهى . وقال في المحكم الخنفسة دويبة سوداء أصغر من الجعل منتنة الريح والأنثى خنفسة وخنفساء وخنفساءة وضم الفاء في كل ذلك لغة انتهى . فاقتضى كلامه أن فتح الفاء أشهر واقتضى أيضا أن خنفساء لا يقال إلا للمؤنث والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية