الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط ، وما أنزل الله فيهما ]

            وأبي بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، وعقبة بن أبي معيط ، وكانا متصافيين ، حسنا ما بينهما . فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه ، فبلغ ذلك أبيا ، فأتى عقبة فقال ( له ) : ألم يبلغني أنك جالست محمدا وسمعت منه وجهي من وجهك حرام أن أكلمك - واستغلظ من اليمين - إن أنت جلست إليه أو سمعت منه ، أو لم تأته فتتفل في وجهه . ففعل ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله . فأنزل الله تعالى فيهما : ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا إلى قوله تعالى : للإنسان خذولا ومشى أبي بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم بال قد ارفت ، فقال : يا محمد ، أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم ، ثم فته في يده ، ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، أنا أقول ذلك ، يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا ، ثم يدخلك الله النار . فأنزل الله تعالى فيه : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون

            وفي رواية : وكان -ابن أبي معيط- لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا أهل مكة كلهم فصنع طعاما ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال : ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله . فقال : اطعم يا ابن أخي .

            فقال : ما أنا بالذي أفعل حتى تقول ، فشهد بذلك وطعم من طعامه . وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت : أشد ما كان أمرا . فقال : ما فعل خليلي أبو معيط ؟ فقالت : صبأ . فبات بليلة سوء فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه فلم يرد عليه التحية فقال : ما لك لا ترد علي تحيتي . فقال : كيف أرد عليك تحيتك وقد صبأت . قال : أوقد فعلتها قريش ؟ لا والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل من طعامي إلا أن أشهد له . فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم ، فشهدت له قال : ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبزق في وجهه .

            وفي رواية : فقال : ما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال : تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم . ففعل فلم يزد النبي صلى الله عليه وسلم أن مسح وجهه من البزاق
            .

            قال في الكامل عن المستهزئين ومنهم عقبة بن أبي معيط ، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس ، ويكنى أبا الوليد ، وكان من أشد الناس أذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعداوة له وللمسلمين ، عمد إلى مكتل فجعل فيه عذرة وجعله على باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبصر به طليب بن عمير بن وهب بن عبد مناف بن قصي ، وأمه أروى بنت عبد المطلب ، فأخذ المكتل منه وضرب به رأسه وأخذ بأذنيه ، فشكاه عقبة إلى أمه فقال : قد صار ابنك ينصر محمدا . فقالت : ومن أولى به منا ؟ أموالنا وأنفسنا دون محمد . وأسر عقبة ببدر فقتل صبرا ، قتله عاصم بن ثابت الأنصاري ، فلما أراد قتله قال : يا محمد من للصبية ؟ قال : النار .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية