ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بينهم وبين الماء رحلة ، وغلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء ، فظمئ المسلمون ، وأصابهم ضيق شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ ، فوسوس إليهم : تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسول الله وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم تصلون مخبتين ، فأنزل الله تعالى تلك الليلة مطرا كثيرا ، فكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم ، وكان على المسلمين طلا طهرهم الله به ، وأذهب عنهم رجز الشيطان ، ووطأ به الأرض ، وصلب الرمل ، وثبت الأقدام ، ومهد به المنزل ، وربط به على قلوبهم ، ولم يمنعهم من السير ، وسال الوادي فشرب المؤمنون ، وملأوا الأسقية ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا من الجنابة ، كما قال تعالى : وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام [الأنفال : 11] .
وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس ألقي عليهم فناموا ، حتى إن أحدهم ذقنه بين يديه وما يشعر حتى يقع على جنبه .
وروى أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة حتى أصبح .
وروى عبد بن حميد ، عن قتادة قال : كان النعاس أمنة من الله ، وكان النعاس نعاسين : نعاس يوم بدر ونعاس يوم أحد ، وكانت ليلة الجمعة ، وبين الفريقين قوز من الرمل . وبعث صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ، فأطافا بالقوم ، ثم رجعا فأخبراه أن القوم مذعورون ، وأن السماء تسح عليهم ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء ، يبادرهم الماء فسبقهم إليه ، ومنعهم من السبق إليه المطر ، أرسله الله تعالى عليهم حتى جاء أدنى ماء من بدر ، نزل به.