الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            مقتل النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، لعنهما الله

            قال ابن إسحاق : حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث ، قتله علي بن أبي طالب ، كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة ، ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط .

            قال ابن إسحاق : فقال عقبة حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله : فمن للصبية يا محمد ؟ قال : النار . وكان الذي قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف ، كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر . وكذا قال موسى بن عقبة في " مغازيه " ، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل من الأسارى أسيرا غيره . قال : ولما أقبل إليه عاصم بن ثابت ، قال : يا معشر قريش ، علام أقتل من بين من هاهنا ؟ قال : على عداوتك الله ورسوله .

            وقال حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبي ، قال : لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة ، قال : أتقتلني يا محمد من بين قريش ؟ قال : نعم ! أتدرون ما صنع هذا بي ؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها ، فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران ، وجاء مرة أخرى بسلى شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد ، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي . قال ابن هشام : ويقال : بل قتل عقبة علي بن أبي طالب ، فيما ذكره الزهري وغيره من أهل العلم .

            قلت : كان هذان الرجلان من شر عباد الله ، وأكثرهم كفرا ، وعنادا ، وبغيا ، وحسدا ، وهجاء للإسلام وأهله ، لعنهما الله ، وقد فعل .

            شعر قتيلة بنت الحارث في مقتل أخيها النضر بن الحارث قال ابن هشام : فقالت قتيلة بنت الحارث ، أخت النضر بن الحارث في مقتل أخيها :


            يا راكبا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق     أبلغ بها ميتا بأن تحية
            ما إن تزال بها النجائب تخفق     مني إليك وعبرة مسفوحة
            جادت بواكفها وأخرى تخنق     هل يسمعن النضر إن ناديته
            أم كيف يسمع ميت لا ينطق     أمحمد يا خير ضنء كريمة
            من قومها والفحل فحل معرق     ما كان ضرك لو مننت وربما
            من الفتى وهو المغيظ المحنق     أو كنت قابل فدية فلينفقن
            بأعز ما يغلو به ما ينفق     والنضر أقرب من أسرت قرابة
            وأحقهم إن كان عتق يعتق     ظلت سيوف بني أبيه تنوشه
            لله أرحام هنالك تشقق     صبرا يقاد إلى المنية متعبا
            رسف المقيد وهو عان موثق

            قال ابن هشام : ويقال ، والله أعلم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال : لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه .

            الحادي والعشرون : قوله صلى الله عليه وسلم لما سمع شعر قتيلة بنت النضر : لو بلغني شعرها قبل أن أقتله ما قتلته .

            قال أبو عمر : ليس معنى هذا الندم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقول ولا يفعل إلا حقا ، ولكن معناه لو شفعت عندي بهذا القول لقبلت شفاعتها .

            الثاني والعشرون : قول أبي الفتح : المشهور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من قتل قتيلا فله سلبه» إنما كان يوم حنين إلخ فيه نظر من وجوه :

            الأول : في صحيح مسلم حديث عوف بن مالك ، وفيه : «فقلت : يا خالد ، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل» الحديث ، وفيه أن ذلك كان في غزوة مؤتة ، وهي قبل حنين .

            الثالث والعشرون : وقع في تفسير البغوي أن سعد بن أبي وقاص قتل يوم بدر سعيد بن العاص بن أمية ، والصواب : العاص بن سعيد بن العاص ، وليس في قتلى بدر من المشركين من يقال له سعيد بن العاص ، وسعيد بن العاص صحابي أدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين ، وولد عام الهجرة ، وقتل علي أباه يوم بدر ، وكان سعيد من أشراف بني أمية وفصحائهم وأجوادهم ، وأحد من كتب المصاحف لعثمان ، وولاه على الكوفة ، وغزا جرجان ، وطبرستان ، وافتتحهما ولزم بيته في الفتنة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية