الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم وتهيئته للقتال

            قال محمد بن عمر الأسلمي : ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال : «أيها الناس أوصيكم بما أوصاني الله تعالى به في كتابه ، من العمل بطاعته ، والتناهي عن محارمه ، ثم إنكم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ، ثم وطن نفسه له على الصبر واليقين ، والجد والنشاط ، فإن جهاد العدو شديد كريه ، قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله تعالى رشده ، فإن الله تعالى مع من أطاعه ، وإن الشيطان مع من عصاه فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد ، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله تعالى [وعليكم ] بالذي أمركم به ، فإني حريص على رشدكم ، وإن الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز ، والضعف ، مما لا يحب الله تعالى ، ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر يا أيها الناس [جدد في صدري أن ] من كان على حرام فرق الله تعالى بينه وبينه ، ومن رغب له عنه غفر الله له ذنبه ، ومن صلى علي صلاة صلى الله عليه وملائكته عشرا ، ومن أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على الله ، في عاجل دنياه وآجل آخرته ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا ، ومن استغنى عنها استغنى الله عنه ، والله غني حميد ، ما أعلم من عمل يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به ، ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه ، وأنه قد نفث في روعي الروح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شيء ، وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله ربكم ، وأجملوا في طلب الرزق ، ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية الله تعالى ، فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته ، قد بين لكم الحلال والحرام غير أن بينهما شبها من الأمر ، لم يعلمها كثير من الناس إلا من عصم الله تعالى فمن تركها حفظ عرضه ودينه ، ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيه ، وليس ملك إلا وله حمى ، ألا وإن حمى الله تعالى محارمه ، والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى عليه سائر جسده ، والسلام عليكم » . [ نزول الرسول بالشعب وتعبيته للقتال ]

            قال : ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد ، في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وقال : لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة ، من قناة للمسلمين : فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال : أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب وتعبى رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال ، وهو في سبع مئة رجل ، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير ، أخا بني عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض ، والرماة خمسون رجلا ، فقال : انضح الخيل عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا ، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، أخي بني عبد الدار . حدثنا أبو إسحاق أن البراء بن عازب قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلا - عبد الله بن جبير . قال : ووضعهم موضعا . وقال : إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا ، حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم ، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم . [ من أجازهم الرسول وهم في الخامسة عشرة ]

            قال ابن هشام : وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ، ورافع بن خديج ، أخا بني حارثة ، وهما ابنا خمس عشرة سنة ، وكان قد ردهما ، فقيل له : يا رسول الله إن رافعا رام ، فأجازه ، فلما أجاز رافعا ، قيل له : يا رسول الله ، فإن سمرة يصرع رافعا ، فأجازه ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسامة بن زيد ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت ، أحد بني مالك بن النجار ، والبراء بن عازب ، أحد بني حارثة ، وعمرو بن حزم ، أحد بني مالك بن النجار ، وأسيد بن ظهير ، أحد بني حارثة ، ثم أجازهم يوم الخندق ، وهم أبناء خمس عشرة سنة . فائدة قال ابن القيم: لا يأذن -يعني الإمام- لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين ، بل يردهم إذا خرجوا ، كما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ومن معه . [ شعار المسلمين ]

            وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : أمت ، أمت فيما قال ابن هشام .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية