ثم خرج أبو بصير حتى نزل العيص ، من ناحية ذي المروة ، على ساحل البحر ، بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير : ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال فاجتمع إليه أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين بالحديبية ، فخرج هو وسبعون راكبا ممن أسلموا فلحقوا بأبي بصير ، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هدنة المشركين ، وكرهوا الثواء بين ظهراني قومهم ، فنزلوا مع أبي بصير ، ولما قدم أبو جندل على أبي بصير سلم له الأمر ، لكونه قرشيا فكان أبو جندل يؤمهم ، واجتمع إلى أبي جندل - حين سمع بقدومه - ناس من بني غفار وأسلم وجهينة ، وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل - كما عند البيهقي عن ابن شهاب - لا تمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا من فيها ، وضيقوا على قريش ، فلا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه .
ومما قاله أبو جندل بن سهيل في تلك الأيام :
أبلغ قريشا عن أبي جندل أنا بذي المروة في الساحل في معشر تخفق راياتهم
بالبيض فيها والقنا الذابل يأبون أن تبقى لهم رفقة
من بعد إسلامهم الواصل أو يجعل الله لهم مخرجا
والحق لا يغلب بالباطل فيسلم المرء بإسلامه
ويقتل المرء ولم يأتل
وقدم أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ناس من أصحابه ورجع سائرهم إلى أهليهم ، وأمنت بعد ذلك عيرات قريش .
قال عروة : فلما كان ذلك من أمرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية أن طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير لهم فيما أحبوا وفيما كرهوا من رأى من ظن أن له قوة هي أفضل مما خص الله تعالى به رسوله من الفوز والكرامة - صلى الله عليه وسلم -