الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر خروج ابنة حمزة - رضي الله عنها

            روى الشيخان عن البراء بن عازب ، والإمام أحمد عن علي ، ومحمد بن عمر عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال ابن عباس : إن عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب ، وقيل اسمها أمامة قال الحافظ : وهو المشهور وأمها سلمى بنت عميس ، كانت بمكة ،

            فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة كلم علي بن أبي طالب - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : علام نترك ابنة عمنا يتيمة بين ظهراني المشركين ؟ ، فلم ينهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج بها .

            وقال البراء : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج تبعته ابنة حمزة تنادي يا عمي يا عمي ، فتناولها علي فأخذ بيدها . وقال لفاطمة - رضي الله عنها - : دونك ابنة عمك ، فاختصم فيها .

            زيد وعلي وجعفر ، أي بعد أن قدموا المدينة

            . وكان زيد وصي حمزة ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد واخى بينهما حين واخى بين المهاجرين . فقال علي : أنا أحق بها ، وهي ابنة عمي ، وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين ، وقال جعفر : بنت عمي وخالتها أسماء بنت عميس تحتي . وقال زيد : بنت أخي . فقضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالتها ، وقال : «الخالة بمنزلة الأم” وقال لعلي : «أنت مني وأنا منك” . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - «وأما أنت يا علي فأخي وصاحبي” وقال لجعفر : «أشبهت خلقي وخلقي” . وقال لزيد : «أنت أخونا ومولانا” . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - «أنت مولى الله ورسوله” .

            قال محمد بن عمر : فلما قضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجعفر قام جعفر فحجل حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما هذا يا جعفر ؟ قال : يا رسول الله ، كان النجاشي إذا أرضى أحدا قام فحجل .

            فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : تزوجها . فقال : " ابنة أخي من الرضاعة " . فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " هل جزيت سلمة ؟ .

            قلت : لأنه ذكر الواقدي وغيره ، أنه هو الذي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمه أم سلمة ، لأنه كان أكبر من أخيه عمر بن أبي سلمة . والله أعلم . وفي هذه القصة من الفقه : أن الخالة مقدمة في الحضانة على سائر الأقارب بعد الأبوين .

            وأن تزوج الحاضنة بقريب من الطفل لا يسقط حضانتها . نص أحمد - رحمه الله تعالى - في رواية عنه على أن تزويجها لا يسقط حضانتها في الجارية خاصة ، واحتج بقصة بنت حمزة هذه ، ولما كان ابن العم ليس محرما لم يفرق بينه وبين الأجنبي في ذلك ، وقال : تزوج الحاضنة لا يسقط حضانتها للجارية ، وقال الحسن البصري : لا يكون تزوجها مسقطا لحضانتها بحال ذكرا كان الولد أو أنثى .

            وقد اختلف في سقوط الحضانة بالنكاح على أربعة أقوال :

            أحدها : تسقط به ذكرا كان أو أنثى ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايات عنه .

            والثاني : لا تسقط بحال ، وهو قول الحسن وابن حزم .

            والثالث : إن كان الطفل بنتا ، لم تسقط الحضانة ، وإن كان ذكرا سقطت ، وهذه رواية عن أحمد - رحمه الله تعالى - وقال في رواية مهنا : إذا تزوجت الأم وابنها صغير ، أخذ منها ، قيل له : والجارية مثل الصبي ؟ قال : لا ، الجارية تكون معها إلى سبع سنين ، وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى عنه : أنها أحق بالبنت وإن تزوجت إلى أن تبلغ .

            والرابع : أنها إذا تزوجت بنسيب من الطفل ، لم تسقط حضانتها ، وإن تزوجت بأجنبي سقطت ، ثم اختلف أصحاب هذا القول على ثلاثة أقوال :

            أحدها : أنه يكفي كونه نسيبا فقط ، محرما كان أو غير محرم ، وهذا ظاهر كلام أصحاب أحمد وإطلاقهم .

            الثاني : أنه يشترط كونه مع ذلك ذا رحم محرم ، وهو قول الحنفية .

            الثالث : أنه يشترط مع ذلك أن يكون بينه وبين الطفل ولادة ، بأن يكون جدا للطفل ، وهذا قول بعض أصحاب أحمد ومالك والشافعي .

            وفي القصة حجة لمن قدم الخالة على العمة ، وقرابة الأم على قرابة الأب ، فإنه قضى بها لخالتها ، وقد كانت صفية عمتها موجودة إذ ذاك ، وهذا قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين عنه .

            وعنه رواية ثانية : أن العمة مقدمة على الخالة - وهي اختيار شيخنا - وكذلك نساء الأب يقدمن على نساء الأم ؛ لأن الولاية على الطفل في الأصل للأب ، وإنما قدمت عليه الأم لمصلحة الطفل ، وكمال تربيته وشفقتها وحنوها ، والإناث أقوم بذلك من الرجال ، فإذا صار الأمر إلى النساء فقط أو الرجال فقط ، كانت قرابة الأب أولى من قرابة الأم ، كما يكون الأب أولى من كل ذكر سواه ، وهذا قوي جدا .

            ويجاب عن تقديم خالة ابنة حمزة على عمتها بأن العمة لم تطلب الحضانة ، والحضانة حق لها يقضى لها به بطلبه ، بخلاف الخالة ، فإن جعفرا كان نائبا عنها في طلب الحضانة ، ولهذا قضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في غيبتها .

            وأيضا فكما أن لقرابة الطفل أن يمنع الحاضنة من حضانة الطفل إذا تزوجت ، فللزوج أن يمنعها من أخذه وتفرغها له ، فإذا رضي الزوج بأخذه حيث لا تسقط حضانتها لقرابته ، أو لكون الطفل أنثى على رواية ، مكنت من أخذه ، وإن لم يرض فالحق له والزوج هاهنا قد رضي وخاصم في القصة ، وصفية لم يكن منها طلب .

            وأيضا فابن العم له حضانة الجارية التي لا تشتهى في أحد الوجهين ، بل وإن كانت تشتهى ، فله حضانتها أيضا ، وتسلم إلى امرأة ثقة يختارها هو ، أو إلى محرمه وهذا هو المختار ؛ لأنه قريب من عصباتها ، وهو أولى من الأجانب والحاكم ، وهذه إن كانت طفلة فلا إشكال ، وإن كانت ممن يشتهى ، فقد سلمت إلى خالتها ، فهي وزوجها من أهل الحضانة ، والله أعلم . «قول ابنة حمزة يا عم كأنها خاطبت النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك إجلالا ، وإلا فهو ابن عمها ، أو بالنسبة إلى كون حمزة - وإن كان عمه من النسب - فهو أخوه من الرضاعة .

            وكانت خصومة علي وجعفر ، وزيد في ابنة حمزة بعد أن قدموا المدينة ، كما صح ذلك من حديث علي عند أحمد ، والحاكم . وقد أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا على أخذها من مكة مع اشتراط المشركين ألا يخرج .

            بأحد من أهلها أراد الخروج ، لأنهم لم يطلبوها ، وأيضا فإن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك ، لكن إنما نزل القرآن بعد رجوعهم إلى المدينة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية