الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            سنة تسع من الهجرة ذكر غزوة تبوك في رجب منها .

            قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( التوبة : 28 ، 29 ) روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم ، أنه لما أمر الله تعالى أن يمنع المشركون من قربان المسجد الحرام في الحج وغيره قالت قريش : لينقطعن عنا المتاجر والأسواق أيام الحج ، وليذهبن ما كنا نصيب منها . فعوضهم الله عن ذلك بالأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .

            قلت : فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال الروم; لأنهم أقرب الناس إليه وأولى الناس بالدعوة إلى الحق; لقربهم إلى الإسلام وأهله . وقد قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ( التوبة : 123 ) فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على غزو الروم عام تبوك وكان ذلك في حر شديد وضيق من الحال ، جلى للناس أمرها ودعا من حوله من أحياء الأعراب للخروج معه ، فأوعب معه بشر كثير ، قريبا من ثلاثين ألفا ، وتخلف آخرون ، فعاتب الله من تخلف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين ، ولامهم ووبخهم وقرعهم أشد التقريع ، وفضحهم أشد الفضيحة ، وأنزل فيهم قرآنا يتلى وبين أمرهم في سورة " براءة " وأمر المؤمنين بالنفر على كل حال . فقال تعالى : انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ثم الآيات بعدها . ثم قال تعالى : وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون فقيل : إن هذه ناسخة لتلك . وقيل : لا . فالله أعلم .

            قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب - يعني من سنة تسع - ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم . فذكر الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا ، كل يحدث عن غزوة تبوك ما بلغه عنها ، وبعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ، وذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد ، وحين طابت الثمار ، فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ، ويكرهون الشخوص في الحال من الزمان الذي هم عليه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يخرج في غزوة إلا كنى عنها إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس ، لبعد المشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد إليه ليتأهب الناس لذلك أهبته ، فأمرهم بالجهاد وأخبرهم أنه يريد الروم . وذكر ابن سعد قال : ( بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام ، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة ، وأجلبت معه لخم ، وجذام ، وعاملة ، وغسان ، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء

            التالي السابق


            الخدمات العلمية