الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا عن بني سعد بن بكر   ]

            قال ابن إسحاق : وبعث بنو سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم ، يقال له ضمام بن ثعلبة .

            [ سؤاله الرسول أسئلة ثم إسلامه ]

            قال ابن إسحاق : فحدثني محمدبن الوليد بن نويفع عن كريب ، مولى عبد الله بن عباس ، عن ابن عباس ، قال : بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدم عليه ، وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ؛ وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين ، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، فقال : أيكم ابن عبد المطلب ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا ابن عبد المطلب . قال : أمحمد ؟ قال : نعم ؛ قال : يا بن عبد المطلب ، إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة ، فلا تجدن في نفسك ، قال : لا أجد في نفسي ، فسل عما بدا لك .

            قال : أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله بعثك إلينا رسولا ؟ قال : اللهم نعم ؛ قال : فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا ، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه ؟ قال : اللهم نعم ، قال : فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس ؟ قال : اللهم نعم ؛ قال : ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة . الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها ، ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده في التي قبلها ، حتى إذا فرغ قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ؛ وسأؤدي هذه الفرائض ، وأجتنب ما نهيتني عنه ، ثم لا أزيد ولا أنقص . ثم انصرف إلى بعيره راجعا . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة


            [ دعوته قومه للإسلام ]

            قال : فأتى بعيره فأطلق عقاله ، ثم خرج حتى قدم على قومه ، فاجتمعوا إليه ، فكان أول ما تكلم به أن قال : بئس اللات والعزى قالوا : مه يا ضمام اتق البرص ، اتق الجذام ، اتق الجنون قال : ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان ، إن الله قد بعث رسولا ، وأنزل عليه كتابا أستنقذكم به مما كنتم فيه ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ، وما نهاكم عنه ، قال : فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما . قال : يقول عبد الله بن عباس : فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة . وعن ابن عباس قال : بعثت بنو سعد بن بكر في رجب سنة خمس ضمام بن ثعلبة وكان جلدا أشعر ذا غديرتين ، وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فأغلظ في المسألة ; سأله عمن أرسله ، وبما أرسله ، وسأله عن شرائع الإسلام ، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ، فرجع إلى قومه مسلما قد خلع الأنداد ، فأخبرهم بما أمرهم به ونهاهم عنه ، فما أمسى في ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما ، وبنوا المساجد وأذنوا بالصلاة . .

            وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ثنا سليمان - يعني ابن المغيرة - عن ثابت عن أنس بن مالك قال : كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل ، فيسأله ونحن نسمع ، فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد ، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك . قال : " صدق " . قال : فمن خلق السماء ؟ قال : " الله " . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : " الله " . قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : " الله " . قال : فبالذي خلق السماء ، وخلق الأرض ونصب هذه الجبال ، آلله أرسلك ؟ قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا . قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا . قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا . قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قال : " صدق " . قال : ثم ولى ، فقال : والذي بعثك بالحق نبيا لا أزيد عليهن شيئا ، ولا أنقص منهن شيئا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لئن صدق ليدخلن الجنة " . وعن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول : بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا في المسجد ، دخل رجل على جمل ، فأناخه في المسجد ثم عقله ، ثم قال : أيكم محمد ؟ ورسول الله متكئ بين ظهرانيهم قال : فقلنا : هذا الرجل الأبيض المتكئ . فقال الرجل : يا ابن عبد المطلب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أجبتك " . فقال الرجل : يا محمد ، إني سائلك فمشتد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك . فقال : " سل ما بدا لك " . فقال الرجل : أنشدك بربك ورب من كان قبلك ، آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم نعم " . قال : فأنشدك الله ، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟ قال : " اللهم نعم " . قال : فأنشدك الله ، آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم نعم " . قال : أنشدك الله ، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم نعم " . قال الرجل : آمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلبة ، أخو بني سعد بن بكر .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية