في وفود فزارة إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد ، والبيهقي عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي رضي الله تعالى عنه قال :
فقال أحدهم : يا رسول الله ، أسنتت بلادنا ، وهلكت مواشينا ، وأجدب جنابنا ، وغرث عيالنا ، فادع لنا ربك يغيثنا ، واشفع لنا إلى ربك ، وليشفع لنا ربك إليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سبحان الله ، ويلك ، هذا أنا أشفع إلى ربي عز وجل فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه ؟ لا إله إلا هو العلي العظيم وسع كرسيه السماوات والأرض فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله عز وجل ليضحك من شففكم وأزلكم وقرب غياثكم» . فقال الأعرابي : يا رسول الله ، ويضحك ربنا عز وجل ؟ فقال : «نعم» .
فقال الأعرابي : لن نعدمك من رب يضحك خيرا . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ، وصعد المنبر فتكلم بكلمات ، وكان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء . فرفع يديه حتى رئي بياض إبطيه وكان مما حفظ من دعائه : «اللهم اسق بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا طبقا واسعا ، عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار ، اللهم اسقنا رحمة ولا تسقنا عذابا ولا هدما ولا غرقا ولا محقا ، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء» . فقام أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري رضي الله تعالى عنه فقال : يا رسول الله ، التمر في المربد ، وفي لفظ المرابد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم اسقنا» فعاد أبو لبابة لقوله ، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعائه . فعاد أبو لبابة أيضا فقال : التمر في المربد يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره» . قالوا : ولا والله ما نرى السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ، فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت . قال : فلا والله ما رأينا الشمس سبتا . وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا يخرج التمر منه .
فجاء ذلك الرجل أو غيره فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال وانقطعت السبل فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا ورفع يديه حتى رئي بياض إبطيه ثم قال : «اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فانجابت السحابة عن المدينة انجياب الثوب» . لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك وكانت سنة تسع قدم عليه وفد بني فزارة ، بضعة عشر رجلا ، فيهم خارجة بن حصن ، والحر بن قيس بن حصن وهو أصغرهم- وهم مسنتون- على ركاب عجاف ، فجاءوا مقرين بالإسلام . فنزلوا دار رملة بنت الحدث . وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم ،