الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفي حديث الشعبي : قال : فلما بلغني ما يدعو إليه -رسول الله صلى الله عليه وسلم- من الأخلاق الحسنة وما قد اجتمع إليه من الناس خرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده وعنده امرأة وصبيان أو صبي . وذكر قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فعرفت أنه ليس بملك كسرى ولا قيصر ، فسلمت عليه فقال : «من الرجل ؟ » فقلت : عدي بن حاتم . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته ، فوقف لها طويلا فكلمته في حاجتها فقلت في نفسي : والله ما هذا بملك .

            قال : ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقدمها إلي فقال : «اجلس على هذه» . قال : قلت : يا رسول بل أنت فاجلس عليها ، قال : «بل

            أنت» فجلست عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض . فقال : «يا عدي أخبرك ألا إله إلا الله ، فهل من إله إلا الله ؟ وأخبرك أن الله تعالى أكبر ، فهل من شيء هو أكبر من الله عز وجل ؟ » ثم قال : «يا عدي اسلم تسلم» . فقلت : إني على ديني . فقال : «أنا أعلم منك بدينك» . فقلت : أنت أعلم مني بديني ؟ قال : «نعم» يقولها ثلاثا . «ألست ركوسيا ؟ » فقلت : بلى . قال : «ألست ترأس قومك ؟ » قلت : بلى . قال : «أولم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟ » قلت : بلى والله ، وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل . قال : «فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك» . ثم قال : «يا عدي لعلك إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين أن رأيت خصاصة من عندنا ، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم ، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف»
            .

            وفي رواية قال : «هل رأيت الحيرة ؟ » قلت : لم أرها وقد علمت مكانها . قال : «فإن الظعينة سترحل من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار لا تخاف أحدا إلا الله عز وجل والذئب على غنمها» . قال : فقلت في نفسي فأين ذعار طيئ الذين سعروا البلاد ؟ قال : «فلعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم والله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم» . وفي رواية : «لتفتحن عليهم كنوز كسرى بن هرمز » .

            قلت : كنوز كسرى بن هرمز . قال : «كنوز كسرى بن هرمز »
            .

            وفي رواية : «ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه ، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا شق تمرة فبكلمة طيبة» . قال عدي رضي الله تعالى عنه : فأسلمت فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استبشر فقد رأيت الظعينة ترحل من الكوفة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله عز وجل ، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة سترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية