الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ولنذكر الآن ما ورد فيهم من الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،

            الحديث الأول

            الحديث الأول عن علي ، رضي الله عنه ، رواه عنه زيد بن وهب ، قال مسلم بن الحجاج في " صحيحه " : أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي ، رضي الله عنه ، الذين ساروا إلى الخوارج ، فقال علي ، رضي الله عنه : يا أيها الناس ، إني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية . لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم ، صلى الله عليه وسلم ، لاتكلوا على العمل ، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع ، على رأس عضده مثل حلمة الثدي ، عليه شعرات بيض ، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم ، والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله .

            قال سلمة : فنزلني زيد بن وهب منزلا منزلا ، حتى قال : مررنا على قنطرة . فلما التقينا ، وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا الرماح ، وسلوا سيوفكم من جفونها ، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء . فرجعوا فوحشوا برماحهم ، وسلوا السيوف ، فشجرهم الناس برماحهم . قال : وقتل بعضهم على بعض ، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان ، قال علي ، رضي الله عنه : التمسوا فيهم المخدج . فالتمسوه فلم يجدوه ، فقام علي ، رضي الله عنه ، بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض ، فقال : أخروهم . فوجدوه مما يلي الأرض ، فكبر ، قال : صدق الله ، وبلغ رسوله . قال : فقام إليه عبيدة السلماني فقال : يا أمير المؤمنين ، آلله الذي لا إله إلا هو ، لسمعت هذا من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إي والله الذي لا إله إلا هو ، فاستحلفه ثلاثا ، وهو يحلف له . هذا لفظ مسلم .

            الحديث الثاني

            الحديث الثاني عن ابن مسعود ، رضي الله عنه

            عن عبد الله قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يخرج قوم في آخر الزمان ، سفهاء الأحلام ، أحداث - أو قال : حدثاء - الأسنان ، يقولون من خير قول الناس ، يقرأون القرآن بألسنتهم ، لا يعدو تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، فمن أدركهم فليقتلهم ، فإن في قتلهم أجرا عظيما عند الله لمن قتلهم .

            وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

            ابن مسعود مات قبل ظهور الخوارج بنحو من خمس سنين ، فحديثه في ذلك من أقوى الاعتضاد .

            الحديث الثالث

            الحديث الثالث عن أنس بن مالك : قال أحمد : وقد حدثناه أبو المغيرة ، فقال : عن أنس ، عن أبي سعيد ، ثم رجع ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ; قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه ، هم شر الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ، من قاتلهم كان أولى بالله منهم " . قالوا : يا رسول الله ، ما سيماهم ؟ قال : " التحليق "

            الحديث الرابع

            الحديث الرابع عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : عن جابر بن عبد الله قال : كنت مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عام الجعرانة وهو يقسم فضة في ثوب بلال للناس ، فقال رجل : يا رسول الله اعدل . فقال : " ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ؟ ! لقد خبت إن لم أكن أعدل " . فقال : عمر : يا رسول الله ، دعني أقتل هذا المنافق . فقال : " معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، أو تراقيهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية " .

            الحديث الخامس

            الحديث الخامس عن سعد بن مالك بن أهيب الزهري وهو سعد بن أبي وقاص ، رضي الله عنه ، قال : يعقوب بن سفيان : عن سعد بن أبي وقاص قال : ذكر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذا الثدية فقال : شيطان الردهة ، كراعي الخيل يحتدره رجل من بجيلة ; يقال له : الأشهب أو ابن الأشهب ، علامة في قوم ظلمة . قال سفيان : فأخبرني عمار الدهني ، أنه جاء به رجل يقال له : الأشهب ، أو ابن الأشهب .

            الحديث السادس

            الحديث السادس عن أبي سعيد ; سعد بن مالك بن سنان الأنصاري ، رضي الله عنه ، وله طرق عنه :

            منها : قال الإمام أحمد : عن أبي سعيد الخدري أن أبا بكر جاء إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني مررت بوادي كذا وكذا ، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي . فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " اذهب إليه فاقتله " . قال : فذهب إليه أبو بكر فلما رآه على تلك الحالة كره أن يقتله ، فرجع إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعمر : " اذهب فاقتله " . فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر ، فكره أن يقتله فرجع ، فقال : يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعا فكرهت أن أقتله . قال : " يا علي اذهب فاقتله " . فذهب علي فلم يره ، فرجع فقال : يا رسول الله إني لم أره ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه ; فاقتلوهم هم شر البرية " . تفرد به أحمد .

            الحديث الثامن

            الحديث الثامن عن سلمان الفارسي : عن حميد بن هلال قال : جاء رجل إلى قوم فقال : لمن هذه الخباء ؟ قالوا : لسلمان الفارسي . قال : أفلا تنطلقون معي فيحدثنا ونسمع منه ؟ فانطلق معه بعض القوم فقال : يا أبا عبد الله لو أدنيت خباءك إلينا وكنت منا قريبا فحدثتنا وسمعنا منك ؟ فقال : ومن أنت ؟ قال : فلان بن فلان . قال سلمان : قد بلغني عنك معروف ; بلغني أنك تخف في سبيل الله ، وتقاتل العدو ، وتخدم أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فإن أخطأتك واحدة أن تكون من هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . قالوا : فوجد ذلك الرجل قتيلا في أصحاب النهروان .

            الحديث التاسع

            الحديث التاسع عن سهل بن حنيف الأنصاري : قال الإمام أحمد : عن يسير بن عمرو قال : دخلت على سهل بن حنيف ، فقلت : حدثني ما سمعت من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال في الحرورية . قال : أحدثك ما سمعت من النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لا أزيدك عليه شيئا ، سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يذكر قوما يخرجون من هاهنا - وأشار بيده نحو العراق - يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . قال : قلت : هل ذكر لهم علامة ؟ قال : هذا ما سمعت لا أزيدك عليه .

            الحديث الثاني عشر

            الحديث الثاني عشر عن عبد الله بن عمر : قال الإمام أحمد : عن شهر بن حوشب قال : لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية ، قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه نوف البكالي ، فجئته فجاء رجل فانتبذ عن الناس عليه خميصة ، فإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص ، فلما رآه نوف أمسك عن الحديث ، فقال عبد الله : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إنها ستكون هجرة بعد هجرة ، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها ، تلفظهم أرضهم ، تقذرهم نفس الرحمن ، تحشرهم النار مع القردة والخنازير ، تبيت معهم إذا باتوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وتأكل من تخلف " . قال وسمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " سيخرج ناس من أمتي من قبل المشرق ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، كلما خرج منهم قرن قطع ، كلما خرج منهم قرن قطع ، - حتى عدها زيادة على عشر مرات - كلما خرج منهم قرن قطع ، حتى يخرج الدجال في بقيتهم " .

            الحديث الرابع عشر

            الحديث الرابع عشر عن أم المؤمنين عائشة : عن حبيب بن سلمة قال : قال لي علي : لقد علمت عائشة أن جيش المروة وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد ، صلى الله عليه وسلم . قال ابن عياش : جيش المروة قتلة عثمان ، رضي الله عنه .

            وعن مسروق ، عن عائشة قالت : ذكر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الخوارج فقال : شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي .

            وعن عامر الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة : عندك علم من ذي الثدية الذي أصابه علي في الحرورية ؟ قلت : لا . قالت : فاكتب لي بشهادة من شهدهم . فرجعت إلى الكوفة - وبها يومئذ أسباع - فكتبت شهادة عشرة من كل سبع ، ثم أتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها ، قالت : أكل هؤلاء عاينوه ؟ قلت : لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينه . فقالت : لعن الله فلانا ; فإنه كتب إلي أنه أصابهم بنيل مصر . ثم أرخت عينيها فبكت فلما سكنت عبرتها قالت : رحم الله عليا ! لقد كان على الحق ، وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها .

            حديث آخر عن رجلين مبهمين من الصحابة : قال الهيثم بن عدي في " كتاب الخوارج " ، عن حميد بن هلال قال : أقبل رجلان من أهل الحجاز حتى قدما العراق فقيل لهما : ما أقدمكما العراق ؟ قالا : رجونا أن ندرك هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فوجدنا علي بن أبي طالب قد سبقنا إليهم ; يعنيان أهل النهروان .

            حديث آخر في مدح علي ، رضي الله عنه على قتاله الخوارج

            قال الإمام أحمد : عن إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الزبيدي ، عن أبيه قال سمعت أبا سعيد يقول : " كنا جلوسا ننتظر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فخرج علينا من بيوت بعض نسائه ، قال : فقمنا معه ، فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها ، فمضى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ومضينا معه ، ثم قام ينتظره وقمنا معه ، فقال : " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " . فاستشرفنا لها وفينا أبو بكر ، وعمر فقال : " لا ، ولكنه خاصف النعل " . قال : فجئنا نبشره ، قال : فكأنه قد سمعه .

            وعن علي قال : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية