وفيها توفي جابر بن سمرة وممن توفي فيها من الأعيان
جابر بن سمرة بن جنادة
، له صحبة ورواية ، ولأبيه أيضا صحبة ورواية . نزل الكوفة وبها توفي هذه السنة ، وقيل : توفي سنة ست وستين . فالله أعلم .
أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية
، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وقتلت بعمود خيمتها يوم اليرموك تسعة من الروم ليلة عرسها ، وسكنت دمشق وقبرها بباب الصغير .
حسان بن مالك بن بحدل ، الأمير أبو سليمان البحدلي حسان بن مالك بن بحدل
الكلبي . وهو الذي قام ببيعة مروان . وقيل : إنهم سلموا عليه بالخلافة أربعين يوما ، ثم سلمها لمروان .
وقصر حسان بدمشق ، ويعرف بقصر ابن أبي الحديد ، وهو قصر البحادلة .
مات في هذه السنة . والله سبحانه أعلم .
يوسف بن الحكم الثقفي يوسف بن الحكم الثقفي
والد الحجاج . قدم من الطائف إلى الشام ثم ذهب إلى مصر والمدينة ، وكان يلزم مروان .
عبد الرحمن بن الحكم عبد الرحمن بن الحكم
أخو مروان ، شهد الدار مع عثمان بن عفان ، وكان شاعرا محسنا ، وله منزلة عند معاوية وابنه .
وفي هذه السنة الأحنف بن قيس بن معاوية قتل زهير بن قيس أمير إفريقية الأحنف بن قيس بن معاوية [بن حصين] السعدي التميمي ، واسمه الضحاك ، وقيل: صخر ، ويكنى أبا بحر .
ولدته أمه وهو أحنف ، فكانت ترقصه ، وتقول:
والله لولا حنفة برجله .
ودقة في ساقه من هزله .
ما كان في فتيانكم من مثله .
أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه من يعرض عليهم الإسلام ، فقال الأحنف: إنه ليدعو إلى خير ، وما أسمع إلا حسنا ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: وكان الأحنف يقول: ما من شيء أرجى عندي من ذلك . "اللهم اغفر للأحنف" .
وقد روى عن عمر ، وعلي ، وأبي ذر . وهو الذي افتتح مرو الروذ ، وكان الحسن وابن سيرين في جيشه ، وكان عالما سيدا ، وكان يحضر عند معاوية فيطيل السكوت ، فقال: يا أبا بحر ، تكلم ، فقال: أخشى الله إن كذبت ، وأخشاكم إن صدقت .
وكان يتهجد بالليل كثيرا ، وكان يضع المصباح قريبا منه ، ثم يقدم إصبعه إلى النار ، ثم يقول: يا أحنف ، ما حملك على ما فعلت في يوم كذا . وكان يصوم ، فيقال له: إنك شيخ كبير والصيام يضعفك ، فيقول: إني لأعده لشر طويل .
وعن علي بن عبيد الله الطوسي ، قال: قال معاوية بن هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان: لم بلغ فيكم الأحنف بن قيس ما بلغ؟ قال: إن شئت حدثتك ألفا ، وإن شئت حذفت لك الحديث حذفا ، [قال: احذفه حذفا] ، قال: إن شئت ثلاثا ، وإن شئت فاثنتين ، وإن شئت فواحدة ، [قال: ما الثلاث؟] قال: أما الثلاث فإنه كان لا يشره ، ولا يحسد ولا يمنع حقا . قال: فما الثنتان؟ قال: كان موفقا للخير معصوما عن الشر . قال: فما الواحدة؟ قال: كان أشد الناس على نفسه سلطانا .
عن الشعبي ، قال: قال لي الأحنف بن قيس: يا شعبي ، قلت: لبيك ، قال: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم ، قلت: من هم؟ قال: الآتي إلى مائدة لم يدع إليها ، والداخل بين اثنين في حديثهما ولم يدخلاه ، والمتآمر على رب البيت في بيته ، والمندلق بالدالة على السلطان ، والجالس في المجلس الذي ليس له بأهل ، والمقبل بحديثه إلى من لا يسمع منه ، والطامع في فضل البخيل ، والمنزل حاجته بعدوه .
قال: يا شعبي ، ألا أدلك على الداء الدوي؟ قلت: بلى ، قال: الخلق الرديء واللسان البذيء .
قال: قلت له: دلني على مروءة ليس فيها مرزية ، فقال: بخ بخ يا شعبي ، سألت عظيما ، الخلق الشحيح والكف عن القبيح .
وكان الأحنف يقول: إن من السؤدد الصبر على الذل ، وكفى بالحلم ناصرا .
وقال: ما نازعني أحد إلا أخذت من أمري بإحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له قدره ، وإن كان دوني رفعت نفسي عنه ، وإن كان مثلي تفضلت عليه .
وقال زياد بن الأحنف: قد بلغ من الشرف والسؤدد ما لا تنفعه [معه] الولاية ، ولا يضره العزل .
وقال خالد بن صفوان: كان الأحنف بن قيس يفر من الشرف والشرف يتبعه .
وعن مغيرة ، قال: اشتكى ابن أخي الأحنف إلى الأحنف بن قيس وجع ضرسه ، فقال له الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما ذكرتها لأحد .
عن محمد بن الحسين ، قال: حدثنا قبيصة ، قال: قيل للأحنف بن قيس: ألا تأتي الأمراء؟ قال: فأخرج جرة مكسورة ، فكبها فإذا كسر ، فقال: من يجزيه مثل هذا ما يصنع بإتيانهم؟!
قال محمد بن سعد: كان الأحنف صديقا لمصعب بن الزبير ، فوفد عليه الكوفة ومصعب واليها ، فتوفي عنده فرئي مصعب في جنازته يمشي بغير رداء .
أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمر بن سفيان ، أبو الأسود الدؤلي:
قال يوسف بن حبيب: الدول من بني حنيفة ساكن الواو ، والديل عبد القيس ساكنة الياء ، والدؤل في كنانة رهط أبي الأسود الدؤلي .
وقد روى أبو الأسود عن عمر ، وعلي ، والزبير ، وأبي ذر ، وعمران بن حصين .
واستخلفه عبد الله بن عباس لما خرج من البصرة ، فأقره علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكان يحب عليا رضي الله عنه الحب الشديد ، وهو القائل:
يقول الأرذلون بنو قشير طوال الدهر لا تنسى عليا أحب محمدا حبا شديدا
وعباسا وحمزة الوصيا فإن يك حبهم رشدا أصبه
ولست بمخطئ إن كان غيا
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أخذ أبو الأسود عن علي بن أبي طالب العربية ، فكان لا يخرج شيئا مما أخذه عن علي إلى آخر حتى بعث إليه زياد: اعمل شيئا يكون إماما نعرف به كتاب الله ، فلم يفعل حتى سمع قارئا يقرأ: {أن الله بريء من المشركين ورسوله} [9: 3] فقال: ما ظننت أن أمر الناس قد صار إلى هذا . وقال لزياد: أبغي كاتبا لقنا يفعل ما أقول ، فأتي بكاتب من عبد القيس ، فلم يرضه ، فأتي بآخر ، فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقطه نقطة فوقه على أعلاه ، وإذا ضممت فمي بالحرف فانقطه نقطة بين يدي الحرف ، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف ، فإذا أتبعت شيئا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين ، فهذه نقط أبي الأسود .
وروى أبو العباس المبرد ، قال: حدثنا المازني قال: السبب الذي وضعت له أبواب النحو وعليه أصلت أصوله أن ابنة أبي الأسود قالت له: ما أشد الحر؟ قال: الحصباء بالرمضاء ، قالت: إنما تعجبت من شدته ، فقال: أوقد لحن الناس . فأخبر بذلك عليا رضي الله عنه ، فأعطاه أصولا بنى منها ، وعمل بعده عليها .
وهو وأخذ النحو عن أبي الأسود عنبسة الفيل ، ثم أخذه عن عنبسة ميمون الأقرن ، ثم أخذه عن ميمون عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي ، ثم أخذه عنه عيسى بن عمر ، وأخذه عن عيسى الخليل بن أحمد الفراهيدي ، ثم أخذه عن الخليل سيبويه ، ثم أخذه عن سيبويه الأخفش ، وهو سعيد بن مسعدة المجاشعي . أول من نقط المصاحف ،
وروى أبو حامد السجستاني بسنده عن أبي الأسود الدؤلي ، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرأيته مطرقا متفكرا ، فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: إني سمعت ببلدكم لحنا فأردت أن أضع في أصول العربية ، فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا ، فأتيته بعد أيام فألقى إلي صحيفة فيها:
الكلام كله: اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل . ثم قال لي: تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه .
وعن عبد الله بن محمد يعني الثوري ، قال: سمعت أبا عبيدة يقول: قال: ووضع عيسى بن عمر في النحو كتابين سمى أحدهما "الجامع" ، والآخر "المكمل" . فقال الشاعر: أول من وضع النحو أبو الأسود الدؤلي ، ثم ميمون الأقرن ، ثم عنبسة الفيل ، ثم عبد الله بن أبي إسحاق .
بطل النحو جميعا كله غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع فهما للناس شمس وقمر
قال الجاحظ: أبو الأسود معدود في طبقات الناس ، وهو في كلها مقدم ، كان معدودا في التابعين والفقهاء والشعراء والمحدثين والأشراف والفرسان والأمراء والدهاة والنحويين والحاضري الجواب والنجلاء والشيعة والصلع الأشراف .
توفي أبو الأسود في هذه السنة ، وهو ابن خمس وثمانين سنة .
عامر بن عبد قيس عامر بن عبد الله ، وهو الذي يقال له عامر بن عبد قيس:
أدرك الصدر الأول ، وروى عن عمر ، وكان ملازما للتعبد ، غاية في التزهد ، وكان كعب الأحبار يقول: هذا راهب هذه الأمة .
فعن عامر بن يساف ، قال: سمعت المعلى بن زياد يقول: كان عامر بن عبد الله قد فرض على نفسه كل يوم ألف ركعة ، وكان إذا صلى العصر جلس وقد انتفخت ساقاه من طول القيام ، فيقول: يا نفس ، بهذا أمرت ، ولهذا خلقت ، يوشك أن يذهب العناء .
وكان يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل سوءة ، فوعزة ربك لأزحفن بك زحوف البعير ، وإن استطعت ألا تمس الأرض من زهمك لأفعلن ، ثم يتلوى كما يتلوى الحب على المقلاة ، ثم يقوم فينادي: اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي .
فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسكن الشام ، وكان قاضيا لمعاوية ، وتوفي في هذه السنة . فضالة بن عبيد بن نافذ ، أبو محمد الأنصاري:
يزيد بن ربيعة بن مفرغ ، أبو عثمان الحميري يزيد بن ربيعة بن مفرغ ، أبو عثمان الحميري: سمي جده مفرغا لأنه راهن على سقاء لبن أن يشربه كله ، فشربه حتى فرغه ، فسمي مفرغا . وكان يزيد شاعرا محسنا غزلا ، والسيد من ولده .
ومدح مروان بن الحكم ، فقال:
وأقمتم سوق الثناء ولم تكن سوق الثناء تقام في الأسواق
فكأنما جعل الإله إليكم قبض النفوس وقسمة الأرزاق
وكان عم يزيد يعنفه في حب أناهيد ، ويعزله ويعيره ، فقال له: يا عم ، إن لي بالأهواز حاجة ، لي على قوم بها ثلاثون ألف درهم ، فإن رأيت أن تتجشم [العناء] معي وتطالب بحقي ، فأجابه ، فاستأجر سفينة وتوجه إلى الأهواز ، فكتب إلى أناهيد: تهيئي وتزيني واخرجي إلي مع جواريك ، فإني موافيك ، فلما نزلوا منزلها خرجت إليهم في هيئتها ، فلما رآها عمه قال له: قبحك الله ، هلا علقت مثل هذه ، قال: يا عم ، أوقد أعجبتك؟ قال: ومن لا تعجبه هذه ، قال: أبجد [منك] تقول هذا؟ قال: نعم والله ، قال: فإنها والله هذه بعينها . فقال: إنما أشخصتني لأجلها؟! [قال: نعم] ، ثم انصرف وأقام هو معها إلى أن مات في زمن الطاعون أيام مصعب بن الزبير .