خلع الحارث بن سريج بخراسان
وفي سنة ست عشرة ومائة خلع الحارث بن سريج ، وأقبل إلى الفارياب ، فأرسل إليه عاصم بن عبد الله رسلا فيهم مقاتل بن حيان النبطي وحطاب بن محرز السلمي فقالا لمن معهما : لا نلقى الحارث إلا بأمان . فأبى القوم عليهما ، فأخذهم الحارث وحبسهم ووكل بهم رجلا ، فأوثقوه وخرجوا من السجن فركبوا وعادوا إلى عاصم ، فأمرهم ، فخطبوا وذموا الحارث وذكروا خبث سيرته ( وغدره . وكان الحارث قد لبس السواد ودعا إلى كتاب الله وسنة نبيه والبيعة للرضا ، فسار من الفارياب ) فأتى بلخا وعليها نصر بن سيار [ و ] التجيبي [ ابن ضبيعة المري ] ، فلقيا الحارث ( في عشرة آلاف والحارث في أربعة آلاف فقاتلهما ومن معهما ، فانهزم أهل بلخ وتبعهم الحارث ) ، فدخل مدينة بلخ ، وخرج نصر بن سيار منها ، وأمر الحارث بالكف عنهم ، واستعمل عليها رجلا من ولد عبد الله بن خازم ، وسار إلى الجوزجان فغلب عليها وعلى الطالقان ومرو الروذ .
فلما كان بالجوزجان استشار أصحابه في أي بلد يقصد ، فقيل له : مرو بيضة خراسان وفرسانهم كثير ، ولو لم يلقوك إلا بعبيدهم لانتصفوا منك ، فأقم فإن أتوك قاتلتهم ، وإن أقاموا قطعت المادة عنهم . قال : لا أرى ذلك ، وسار إلى مرو ( فقال لأهل الرأي من مرو : إن أتى نيسابور فرق جماعتنا ، وإن أتانا نكب .
وبلغ عاصما أن أهل مرو يكاتبون الحارث فقال : يا أهل مرو قد كاتبتم الحارث ، لا يقصد المدينة إلا تركتموها له ، وإني لاحق بنيسابور ، وأكاتب أمير المؤمنين حتى يمدني بعشرة آلاف من أهل الشام . فقال له المجشر بن مزاحم : إن أعطوك بيعتهم بالطلاق والعتاق على القتال معك والمناصحة لك ( فلا تفارقهم ) .
وأقبل الحارث إلى مرو يقال : في ستين ألفا ومعه فرسان الأزد وتميم ، ومنهم : محمد بن المثنى ، وحماد بن عامر الحماني ، وداود الأعسر ، وبشر بن أنيف الرياحي ، وعطاء الدبوسي ، ومن الدهاقين : دهقان الجوزجان ودهقان الفارياب وملك الطالقان ودهقان مرو الروذ في أشباههم ، وخرج عاصم في أهل مرو وغيرهم فعسكر ، وقطع عاصم القناطر ، وأقبل أصحاب الحارث فأصلحوا القناطر ، فمال محمد بن المثنى الفراهيذي الأزدي إلى عاصم في ألفين فأتى الأزد ، ومال حماد بن عامر الحماني إلى عاصم فأتى بني تميم ، والتقى الحارث وعاصم ، وعلى ميمنة الحارث وابض بن عبد الله بن زرارة التغلبي ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم أصحاب الحارث فغرق منهم بشر كثير في أنهار مرو وفي النهر الأعظم ، ومضت الدهاقين إلى بلادهم ، وغرق خازم بن عبد الله بن خازم ، وكان مع الحارث ، وقتل أصحاب الحارث قتلا ذريعا ، وقطع الحارث وادي مرو ، فضرب رواقا عند منازل الرهبان ، وكف عنه عاصم ، واجتمع إلى الحارث زهاء ثلاثة آلاف .