وفي سنة ثلاث وعشرين ومائة غزا نصر بن سيار فرغانة غزوته الثانية ، فأوفد وفدا إلى العراق عليهم معن بن أحمر النميري ، ثم إلى هشام ، فاجتاز بيوسف بن عمر وقال له : يابن أحمر أيغلبكم الأقطع على سلطانكم يا معشر قيس ! قال : قد كان ذاك ، فأمره أن يعيبه عند هشام ، فقال : كيف أعيبه مع بلائه وآثاره الجميلة عندي وعند قومي ؟ فلم يزل به ، قال : فبم أعيبه ؟ أعيب تجربته أم طاعته أم يمن نقيبته أو سياسته ؟ قال : عبه بالكبر .
فلما دخل على هشام ذكر جند خراسان ونجدتهم وطاعتهم ، فقال : إلا أنهم ليس لهم قائد . قال : ويحك ! فما فعل الكناني ؟ يعني نصرا . قال : له بأس ورأي إلا أنه لا يعرف الرجل ولا يسمع صوته حتى يدنى منه ، وما يكاد يفهم منه من الضعف لأجل كبره ، فقال شبيل بن عبد الرحمن المازني : كذب والله ، إنه ليس بالشيخ يخشى خرفه ، ولا الشاب يخشى سفهه ، [ بل هو ] المجرب وقد ولي عامة ثغور خراسان وحروبها قبل ولايته . فعلم هشام أن قول معن بوضع يوسف ، فلم يلتفت إلى قوله .
فرجع معن إلى يوسف ، فسأله أن يحول ابنه عن خراسان ، ففعل ، فأرسل فأحضر أهله ، وكان نصر لما قدم خراسان قد آثر معنا وأعلى منزلته ، وشفعه في حوائجه ، فلما فعل هذا أجفى القيسية فحضروا عنده واعتذروا إليه .