الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ووقعت بين هشام وبين الوليد بن يزيد وحشة عظيمة بسبب تعاطي الوليد ما كان يتعاطاه من الفواحش والمنكرات ، فتنكر له هشام وعزم على خلعه وتولية ولده مسلمة ولاية العهد ، ففر منه الوليد إلى الصحراء ، وجعلا يتراسلان بأقبح المراسلات ، وجعل هشام يتوعده وعيدا شديدا ويتهدده ، ولم يزل كذلك حتى مات هشام ، والوليد في البرية ، فلما كانت الليلة التي قدم في صبيحتها عليه البرد بالخلافة ; قلق الوليد تلك الليلة قلقا شديدا ، وقال لبعض أصحابه : ويحك ! قد أخذني الليلة قلق عظيم ، فاركب لعلنا ننبسط ، فسارا ميلين يتكلمان في هشام وما يتعلق به من كتبه إليه بالتهديد والوعيد ، ثم رأيا من بعد رهجا وأصواتا وغبارا ، ثم انكشف ذلك عن برد يقصدونه بالولاية ، فقال لصاحبه : ويحك ! إن هذه رسل هشام اللهم أعطنا خيرها . فلما اقتربت البرد منه وتبينوه ترجلوا إلى الأرض ، وجاءوا فسلموا عليه بالخلافة ، فبهت وقال : ويحكم ! أمات هشام ؟ قالوا : نعم . قال : فمن بعثكم ؟ قالوا : سالم بن عبد الرحمن صاحب ديوان الرسائل . وأعطوه الكتاب فقرأه ، ثم سألهم عن أحوال الناس ، وكيف مات عمه هشام فأخبروه.

            ولما رأى الوليد تقصير هشام في حقه خرج في ناس من خاصته ومواليه ، فنزل بالأزرق من أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له: الأغدق ، وخلف كاتبه عياض بن مسلم ، وقال له: اكتب إلي ما يحدث قبلكم ، فقطع هشام ما كان يجري على الوليد ، وضرب عياضا ضربا مبرحا ، فلم يزل الوليد مقيما بتلك البرية حتى مات هشام ، ووصلت إليه الخلافة ، فسأل عن كاتبه عياض ، فقيل: يا أمير المؤمنين لم يزل محبوسا ، حتى نزل أمر الله بهشام ، فلما صار في حد لا ترجى الحياة لمثله أرسل عياض إلى الخزان: احتفظوا بما في أيديكم ، ولا يصلن أحد منه إلى شيء ، فأفاق هشام إفاقة ، فطلب شيئا فمنعوه ، فقال: أرانا كنا خزانا للوليد ، ثم مات من ساعته .

            فخرج عياض من السجن ، فختم أبواب الخزائن ، وأمر بهشام فأنزل عن فرشه ، فما وجدوا قمقما يسخن له فيه الماء حتى استعاروه ، ولا وجدوا كفنا من الخزائن ، وكفنه غالب مولى هشام .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية