الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            حفص بن سليمان ، أبو سلمة الخلال ، وزير أبي العباس السفاح:

            وهو أول من وزر لهم ، ولم يكن خلالا إنما كان منزله بالكوفة بقرب الخلالين ، وكان يجلس عندهم فسمي خلالا . وقتل في هذه السنة على ما ذكرنا في حوادث السنة . الربيع بن أبي راشد الربيع بن أبي راشد ، أبو عبد الله:

            سمع من سعيد بن جبر ، ومن الثوري . وكان كالغائب عن الخلق .

            عن خلف بن حوشب ، قال: كنت مع الربيع بن أبي راشد في الجبانة ، فقرأ رجل: يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث . . . . الآية ، فقال الربيع: حال ذكر الموت بيني وبين كثير مما أريد من التجارة ، ولو فارق ذكر الموت قلبي ساعة خشيت أن يفسد علي قلبي ، ولولا أن أخالف من كان قبلي لكانت الجبانة مسكني إلى أن أموت .

            قال: وقال عمر بن ذر: كنت إذا رأيت الربيع بن أبي راشد كأنه مخمار من [غير] شراب .

            زبان بن عبد العزيز [زبان] بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ، أبو إبراهيم:

            كان سيد بني عبد العزيز وفارسهم ، حضر الوقعة مع مروان بن محمد ليلة بوصير فتقنطر به فرسه ، فقتله المسور في هذه السنة ، ولم يعرفوه . وقد روى عنه الأوزاعي . صفوان بن سليم ، أبو عبد الله الزهري ، مولى حميد بن عبد الرحمن:  

            روى عن ابن عمر ، وجابر ، وعبد الله بن جعفر ، وسهل بن حنيف ، وجماعة من كبار التابعين . كان ثقة كثير الحديث عابدا .

            قال: عبد العزيز بن أبي حازم ، : عادلني صفوان بن سليم إلى مكة ، فما وضع جنبه في المحمل حتى رجع .

            قال: سعيد بن كثير بن يحيى : حدثني أبي ، قال: قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وعمر بن عبد العزيز عامله عليها . قال: فصلى بالناس الظهر ثم فتح باب المقصورة ، واستند إلى المحراب واستقبل الناس بوجهه ، فنظر إلى صفوان بن سليم عن غير معرفة ، فقال: يا عمر ، من هذا الرجل؟ ما رأيت سمتا أحسن منه ، قال: يا أمير المؤمنين ، هذا صفوان بن سليم ، قال: يا غلام ، كيس فيه خمسمائة دينار ، فأتي بكيس فيه خمسمائة دينار ، فقال لخادمه: ترى هذا الرجل القائم يصلي ، فوصفه للغلام حتى أثبته . قال: فخرج الغلام بالكيس حتى جلس إلى صفوان ، فلما نظر إليه صفوان ركع وسجد ثم سلم وأقبل عليه ، فقال: ما حاجتك؟ قال: أمرني أمير المؤمنين ، وهو ذا ينظر إليك وإلي أن أدفع إليك هذا الكيس فيه خمسمائة دينار ، وهو يقول لك: استعن بهذه على زمانك وعلى عيالك ، فقال صفوان: ليس أنا بالذي أرسلت إليه ، فقال الغلام: ألست صفوان بن سليم؟ قال: بلى أنا صفوان بن سليم ، قال: فإليك أرسلت ، قال: اذهب فاستثبت ، فإذا أثبت فهلم ، فقال الغلام: فأمسك الكيس معك وأنا أذهب ، قال: لا ، إذا أمسكت كنت قد أخذت ، ولكن اذهب فاستثبت وأنا هاهنا جالس .

            فولى الغلام وأخذ صفوان نعليه وخرج ، فلم ير بها حتى خرج سليمان من المدينة .

            قال أحمد بن محمد بن عاصم: وحدثنا أبو مصعب ، قال: قال لي ابن حازم: دخلت أنا وأبي نسأل عن صفوان بن سليم وهو في مصلاه ، فما زال أبي حتى رده إلى فراشه ، فأخبرتني مولاته أن ساعة خرجتم مات .

            عبد الحميد بن يحيى بن سعيد ، مولى بني عامر بن لؤي ، الكاتب ، كاتب مروان بن محمد:  

            كان الأساس في البلاغة ، رسم رسومها ، وأصل أصولها ، وفرع فروعها ، وقد كان قبله سالم مولى سعيد بن عبد الملك مقدما في هذه الصناعة إلا أنه دون عبد الحميد ، وكان متصلا في حداثته بعبد الله بن مالك الثقفي كاتب الوليد بن عبد الملك ، فتأدب وبرع ، ثم اتصل بمروان بن محمد قبل الخلافة فغلب عليه ، فكان يخط بين يديه قبل الخلافة أحسن خط ، ولا ينتحل شيئا من البلاغة ، ثم قام في الخلافة مقام الوزير .

            قال أحمد بن يوسف الكاتب: رآني عبد الحميد بن يحيى وأنا أكتب خطا رديئا ، فقال: إن أردت أن تجود خطك فأطل جحفتك واشممها ، وحرف قطتك وأيمنها .

            قال علماء السير: انقرض ملك بني أمية على أربعة لم يجتمع مثلهم في دولة:

            مروان بن محمد بن الحكم في شجاعته وسياسته ، وعبد الحميد في كتابته وبلاغته ، ويزيد بن عمر بن هبيرة في تدبيره وصحة رأيه ، ونصر بن سيار في صولته وضبطه وبعد صوته .

            عمر بن المنكدر:

            كان من العباد المجتهدين ، وقوام الليل .

            عن ابن عمر ، قال: قالت أم عمر بن المنكدر لعمر: إني لأشتهي أن أراك نائما ، فقال: يا أماه ، والله إن الليل ليرد علي فيهولني ، فينقضي عني وما قضيت إربي .

            وفي رواية: أنهم قالوا له: فما هذا البكاء الكثير؟ فقال: آية من كتاب الله تعالى أبكتني: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون .

            منصور بن المعتمر ، أبو عتاب ، السلمي:

            أسند عن أنس وعن جماعة من كبار التابعين ، وكان من العلماء المتعبدين الثقات . صام أربعين سنة وتمامها ، وكان محروما كأنه قد أصيب بمصيبة ، وبكى حتى عمش .

            عن زائدة بن قدامة ، قال: صام منصور بن المعتمر أربعين سنة ، قام ليلها وصام نهارها ، وكان يبكي الليل ، فتقول له أمه: يا بني ، قتلت قتيلا؟ فيقول: أنا أعلم ما صنعت بنفسي ، فإذا أصبح كحل عينيه ودهن رأسه وبرق شفتيه وخرج إلى الناس ، فأخذه ذات يوم يوسف بن عمر عامل الكوفة يريده على القضاء ، فامتنع ، قال: فدخلت عليه وقد جيء بالقيد ليقيد ، قال: فجاءه خصمان ، فقعدا بين يديه فلم يسألهما ولم يكلمهما ، فقيل ليوسف بن عمر: إنك لو نثرت لحمه لم يل لك قضاء ، فخلى عنه وتركه .

            أخبرنا ابن ناصر بإسناد له عن العلاء بن سالم العبدي ، قال: كان منصور يصلي في سطحه ، فلما مات قال غلام لأمه: يا أماه الجذع الذي كان في آل فلان ليس أراه ، قالت: يا بني ليس ذلك جذع ، ذلك منصور ، وقد مات .

            قال: ابن عيينة ، : رأيت منصور بن المعتمر في المنام ، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: كدت أن ألقى الله بعمل نبي .

            قال سفيان: إن منصورا صام ستين سنة يقوم ليلها ويصوم نهارها . وفيها مات عبد الله بن أبي نجيح ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري .

            وفيها قتل يحيى بن معاوية بن هشام بن عبد الملك  مع مروان بن محمد بالزاب ، ويحيى أخو عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس .

            وفيها قتل يونس بن ميسرة بن حلبس بدمشق  لما دخلها عبد الله بن علي وكان عمره عشرين ومائة سنة ، قتله رجلان من خراسان ولم يعرفاه ، فلما عرفاه بكيا عليه ، وقيل : بل عضته دابة من دوابه فقتلته ، وكان ضريرا .

            وفيها توفي محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بالمدينة  ، وكان قاضيها .

            وفيها مات همام بن منبه . وعبد الله بن عوف . وسعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري . وخبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يسار الأنصاري ، وهو خال عبيد الله بن عمر العمري ، ( خبيب بضم الخاء المعجمة ، وفتح الباء الموحدة ) .

            وعمارة بن أبي حفصة ، واسم أبي حفصة ثابت مولى العتيك بن الأزد ، وهو والد حرمي ، كنيته أبو روح ، ( حرمي بفتح الحاء والراء المهملتين ) .

            وفيها توفي عبد الله بن طاوس بن كيسان الهمداني من عباد أهل اليمن وفقهائهم   .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية