تيم قريش ، الذي يقال له: ربيعة الرأي ، ويكنى ربيعة أبا عثمان ، ويقال: أبا عبد الرحمن ، مديني: ربيعة بن أبي عبد الرحمن واسمه فروخ ، مولى آل المنكدر التيمي ،
سمع من أنس بن مالك ، والسائب بن يزيد ، وعامة التابعين من أهل المدينة .
روى عنه مالك ، وسفيان الثوري ، وشعبة ، والليث بن سعد ، وغيرهم .
وكان عالما فقيها ثقة ، وأقدمه السفاح الأنبار ليوليه القضاء .
وقال يونس بن يزيد: رأيت أبا حنيفة عند ربيعة ومجهود أبي حنيفة أن يفهم ما يقول .
وقال: عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ، حدثني مشيخة أهل المدينة: أن فروخا أبا عبد الرحمن خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازيا ، وربيعة حمل في بطن أمه ، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار ، فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة ، وهو راكب فرسا ، وفي يده رمح ، فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برمحه ، فخرج ربيعة ، فقال له: يا عدو الله ، أتهجم على منزلي؟ فقال: لا ، وقال فروخ: يا عدو الله ، أنت دخلت على حرمتي ، فتواثبا وتلبب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران ، فبلغ مالك بن أنس والمشيخة ، فأتوا يعينون ربيعة ، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان ، وجعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا بالسلطان وأنت مع امرأتي ، وكثر الضجيج ، فلما بصروا بمالك سكت الناس كلهم ، فقال: أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار ، فقال الشيخ: هي داري ، وأنا فروخ مولى بني فلان ، فسمعت امرأته كلامه فخرجت ، فقالت: هذا زوجي ، وهذا ابني الذي خلفه وأنا حامل به ، فاعتنقا جميعا وبكيا ، فدخل فروخ المنزل وقال: هذا ابني؟ قالت: نعم ، قال: فأخرجي المال الذي [لي] عندك ، وهذه معي أربعة آلاف دينار ، فقالت: المال قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام .
ثم خرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته ، وأتاه مالك بن أنس ، والحسن بن زيد ، وابن أبي علي اللهبي ، والمساحقي ، وأشراف أهل المدينة ، وأحدق الناس به ، فقالت امرأته: اخرج فصل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فخرج فنظر إلى حلقة وافرة ، فأتاها فوقف بها وفرجوا له قليلا ، ونكس ربيعة رأسه وأوهمه أنه لم يره ، وعليه طرحة طويلة ، فشك فيه أبو عبد الرحمن ، فقال: من هذا الرجل؟ فقالوا له: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فقال أبو عبد الرحمن: لقد رفع الله ابني ، ثم رجع إلى منزله ، فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحدا من أهل العلم والفقه عليها ، فقالت أمه: فأيما أحب إليك؟ ثلاثون ألف دينار ، أو هذا الجاه الذي هو فيه؟ فقال: لا والله إلا هذا ، قالت: فإني أنفقت المال كله عليه ، قال: فوالله ما ضيعتيه .
قال بكر بن عبد الله بن الشرود الصنعاني ، : أتينا مالك بن أنس ، فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي ، فكنا نستزيده من حديث ربيعة ، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة؟ هو نائم في ذاك الطاق ، فأتينا ربيعة فأنبهناه ، فقلنا له: أنت ربيعة بن أبي عبد الرحمن؟ قال: نعم ، قلنا: ربيعة بن فروخ؟ قال: بلى ، قلنا: ربيعة الرأي؟ قال: نعم ، قلنا: الذي يحدث عنك مالك بن أنس؟ قال: نعم ، قلنا: كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟ قال: أما علمتم أن مثقالا من دولة خير من حمل علم .
وقال مالك: لما قدم ربيعة بن أبي عبد الرحمن على أمير المؤمنين أبي العباس أمر له بجائزة فأبى أن يقبلها ، فأعطاه خمسة آلاف درهم ليشتري بها جارية ، فأبى أن يقبلها .
قال ابن وهب: وحدثني مالك ، عن ربيعة ، قال: قال لي حين أراد الخروج إلى العراق: إن سمعت أني حدثتهم شيئا أو أفتيتهم فلا تعدني شيئا ، قال: فكان كما قال ، لما قدمها لزم بيته فلم يخرج إليهم ولم يحدثهم بشيء حتى رجع .
قال مالك بن أنس : ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة الرأي .
توفي ربيعة بالمدينة ، وقيل: بالأنبار في هذه السنة .
عبيد الله بن أبي جعفر ، مولى بني كنانة:
ولد سنة ستين ، ورأى عبد الله بن الحارث بن جزء ، وكان عالما زاهدا . روى عن محمد بن إسحاق وغيره من أهل المدينة ، وكان سليمان بن داود يقول: ما رأت عيناي عالما زاهدا إلا عبيد الله بن أبي جعفر .
وعن عبيد الله بن أبي جعفر ، قال: غزونا إلى قسطنطينية فانكسر مركبنا ، فألقانا الموج على حشفة في البحر ، وكنا خمسة أو ستة ، فأنبت الله بعددنا ورقا ، لكل رجل منا ورقة ، فكنا نمصها فتشبعنا وتروينا ، فإذا أمسينا أنبت الله لنا مكانها أخرى حتى مر بنا مركب ، فحملنا .
توفي عبيد الله بمصر في هذه السنة . ويقال: في سنة اثنتين وثلاثين ، وصلى [عليه] أبو عون عبد الملك بن يزيد أمير مصر .
عبد الكريم بن الحارث بن يزيد ، أبو الحارث الحضرمي:
روى عنه حيوة بن شريح ، وابن لهيعة وغيرهما . وكان من العباد المجتهدين ، فلو قيل: إن الساعة تقوم غدا ما كان فيه فضل [لمزيد] ، وقيل له: ما أحسن عزاءك عند المصائب! فقال: إني أوطن نفسي عليها قبل نزولها . مليكة بنت المنكدر:
كانت عابدة مجتهدة ، وكلمت في الرفق بنفسها ، فقالت: دعوني أبادر طي صحيفتي .
قال مالك بن دينار: بينا أنا أطوف بالبيت إذا أنا بامرأة جهيرة في الحجر وهي تقول: أتيتك من شقة بعيدة مؤملة بمعروفك ، فأنلني معروفا من معروفك تعينني به عن معروف من سواك يا معروفا بالمعروف . فعرفت أيوب السختياني ، وسألنا عن منزلها ، وقصدناها ، وسلمنا عليها ، فقال لها أيوب السختياني: قولي خيرا يرحمك الله ، قالت: وما أقول؟ أشكو إلى الله قلبي وهواي فقد أضراني وشغلاني عن عبادة ربي عز وجل ، قوما فإني أبادر طي صحيفتي .
قال أيوب السختياني: فما حدثت نفسي بامرأة قبلها ، فقلت لها: لو تزوجت رجلا كان يعينك على ما أنت عليه ، قالت: لو كان مالك بن دينار أو أيوب السختياني ما أردته ، فقلت: أنا مالك بن دينار وهذا أيوب السختياني ، فقالت: أف! لقد ظننت أنه يشغلكما ذكر الله سبحانه وتعالى عن محادثة النساء ، وأقبلت على صلاتها ، فسألت عنها ، فقالوا: هذه مليكة بنت المنكدر .
توفيت مليكة رضي الله عنها في هذه السنة ، وهي سنة ست وثلاثين ومائة ، ودفنت بالمدينة ، وقيل بمكة ، والله عز [وجل أعلم] .
وممن توفي فيها من الأعيان : الخليفة السفاح كما تقدم وأشعث بن سوار ، وجعفر بن ربيعة ، وحصين بن عبد الرحمن ، وربيعة الرأي ، وزيد بن أسلم ، وعبد الملك بن عمير ، وعطاء بن السائب .
وفيها مات عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم . وفيها توفي عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي الفرسي ، وإنما قيل له الفرسي ، بالفاء ، [ نسبة إلى فرس له ] . وعطاء بن السائب أبو زيد الثقفي . وعروة بن رويم .
.