الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وهذه ترجمة أبي مسلم الخراساني  

            هو عبد الرحمن بن مسلم ، أبو مسلم صاحب دولة - ويقال : دعوة - بني العباس ، وكان يقال له : أمين آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الخطيب البغدادي : عبد الرحمن بن مسلم بن سنفيرون بن أسفنديار ، أبو مسلم المروزي ، صاحب الدولة العباسية ، يروي عن أبي الزبير وثابت البناني وإبراهيم وعبد الله ابني محمد بن علي بن عبد الله بن عباس . زاد ابن عساكر في شيوخه محمد بن علي ، وعبد الرحمن بن حرملة ، وعكرمة مولى ابن عباس . قال ابن عساكر : روى عنه إبراهيم بن ميمون الصائغ ، وبشر والد مصعب بن بشر ، وعبد الله بن شبرمة ، وعبد الله بن المبارك ، وعبد الله بن منيب المروزي ، وقديد بن منيع صهر أبي مسلم .

            قال الخطيب : وكان فاتكا ، شجاعا ، ذا رأي وعقل وتدبير وحزم . وقتله أبو جعفر المنصور بالمدائن .

            وقال أبو نعيم الأصبهاني في " تاريخ أصبهان " : كان اسمه عبد الرحمن بن عثمان بن يسار . قيل : إنه ولد بأصبهان . وروى عن السدي وغيره .

            وقال بعض الحفاظ : كان اسم أبي مسلم - صاحب الدعوة - إبراهيم بن عثمان بن يسار بن شيدوس بن جودرن ، من ولد بزرجمهر ، وكان يكنى أبا إسحاق ، وولد بأصبهان ، ونشأ بالكوفة ، وكان أبوه أوصى إلى عيسى بن موسى السراج ، فحمله إلى الكوفة ، وهو ابن سبع سنين ، فلما بعثه إبراهيم بن محمد إلى خراسان قال له : غير اسمك وكنيتك . فتسمى بعبد الرحمن بن مسلم ، واكتنى بأبي مسلم ، فسار إلى خراسان وهو ابن تسع عشرة سنة راكبا على حمار بإكاف ، وأعطاه إبراهيم بن محمد نفقة من عنده ، فرحل إلى خراسان وهو كذلك ، ثم آل به الحال حتى صارت له خراسان بأزمتها وحذافيرها ، وذكر بعضهم أنه في مروره إلى خراسان عدا رجل في بعض الخانات على حماره ، فهلب ذنبه ، فلما تمكن أبو مسلم وحكم على ذلك الموضع ، جعله دكا ، فكان بعد ذلك خرابا لا يسكن . وذكر بعضهم أنه أصابه سباء في صغره ، وأنه اشتراه بعض دعاة بني العباس بأربعمائة درهم ، وأن إبراهيم بن محمد الإمام استوهبه أو اشتراه ، فانتمى إليه ، وزوجه إبراهيم بن محمد ، حين بعثه إلى خراسان ، بنت أبي النجم عمران بن إسماعيل الطائي ، أحد دعاة بني العباس ، وأصدقها عنه أربعمائة درهم ، فولد لأبي مسلم بنتان; إحداهما أسماء ، أعقبت ، وفاطمة ، ولم تعقب .

            وقد ذكرنا فيما سلف من السنين ، كيفية استقلال أبي مسلم بأمور خراسان في سنة تسع وعشرين ومائة ، ونشره دعوة بني العباس .

            وقد كان ذا هيبة وصرامة وإقدام وتسرع; روى ابن عساكر من طريق مصعب بن بشر ، عن أبيه قال : قام رجل إلى أبي مسلم وهو يخطب ، فقال : ما هذا السواد الذي أرى عليك؟ فقال : حدثني أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء . وهذه ثياب الهيبة ، وثياب الدولة . يا غلام ، اضرب عنقه .

            وعن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عباس قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أراد هوان قريش أهانه الله .

            وقد كان إبراهيم بن ميمون الصائغ من أصحابه وجلسائه في زمن الدعوة ، وكان يعده إذا ظهر أن يقيم الحدود والعدل ، فلما تمكن أبو مسلم ما زال إبراهيم بن ميمون يلح عليه في القيام بما وعده به حتى أحرجه ، فضرب عنقه بعدما قال له : هلا كنت تنكر على نصر بن سيار وهو يعمل أواني الخمر من الذهب فيبعثها إلى بني أمية؟ ! فقال له : إن أولئك لم يعدوني من أنفسهم ما وعدتني أنت . وقد رأى بعضهم في المنام لإبراهيم منازل عالية في الجنة; بصبره على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، رحمه الله .

            وقد ذكرنا ما اعتمده أبو مسلم في أيام السفاح من الطاعة الأكيدة له ، والمبادرة إلى أوامره ، وامتثال مراسيمه ، ثم لما صار الأمر إلى المنصور استخف به واحتقره ، ومع هذا كسر عمه عبد الله بن علي حين دعا إلى نفسه بالشام ، فاستنقذها منه وردها إلى حكم المنصور ، ثم شمخت نفسه على المنصور ، وهم بقلعه ، ففطن لذلك المنصور مع ما كان مبطنا له من البغضة ، وقد سأل أخاه السفاح غير مرة أن يقتله فيصدف عن ذلك ، وذكرنا أيضا ما كان من أمر أبي مسلم والمنصور من المراسلات والمكاتبات ، حين استوحش منه المنصور واتهمه بسوء النية ، وما زال يراسله ويستدعيه ويخدعه ويماكره حتى استحضره فقتله.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية