وهذه ترجمة أبي مسلم الخراساني
هو عبد الرحمن بن مسلم ، أبو مسلم صاحب دولة - ويقال : دعوة - بني العباس ، وكان يقال له : أمين آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الخطيب البغدادي : عبد الرحمن بن مسلم بن سنفيرون بن أسفنديار ، أبو مسلم المروزي ، صاحب الدولة العباسية ، يروي عن أبي الزبير وثابت البناني وإبراهيم وعبد الله ابني محمد بن علي بن عبد الله بن عباس . زاد ابن عساكر في شيوخه محمد بن علي ، وعبد الرحمن بن حرملة ، وعكرمة مولى ابن عباس . قال ابن عساكر : روى عنه إبراهيم بن ميمون الصائغ ، وبشر والد مصعب بن بشر ، وعبد الله بن شبرمة ، وعبد الله بن المبارك ، وعبد الله بن منيب المروزي ، وقديد بن منيع صهر أبي مسلم .
قال الخطيب : وكان فاتكا ، شجاعا ، ذا رأي وعقل وتدبير وحزم . وقتله أبو جعفر المنصور بالمدائن .
وقال أبو نعيم الأصبهاني في " تاريخ أصبهان " : كان اسمه عبد الرحمن بن عثمان بن يسار . قيل : إنه ولد بأصبهان . وروى عن السدي وغيره .
وقال بعض الحفاظ : كان اسم أبي مسلم - صاحب الدعوة - إبراهيم بن عثمان بن يسار بن شيدوس بن جودرن ، من ولد بزرجمهر ، وكان يكنى أبا إسحاق ، وولد بأصبهان ، ونشأ بالكوفة ، وكان أبوه أوصى إلى عيسى بن موسى السراج ، فحمله إلى الكوفة ، وهو ابن سبع سنين ، فلما بعثه إبراهيم بن محمد إلى خراسان قال له : غير اسمك وكنيتك . فتسمى بعبد الرحمن بن مسلم ، واكتنى بأبي مسلم ، فسار إلى خراسان وهو ابن تسع عشرة سنة راكبا على حمار بإكاف ، وأعطاه إبراهيم بن محمد نفقة من عنده ، فرحل إلى خراسان وهو كذلك ، ثم آل به الحال حتى صارت له خراسان بأزمتها وحذافيرها ، وذكر بعضهم أنه في مروره إلى خراسان عدا رجل في بعض الخانات على حماره ، فهلب ذنبه ، فلما تمكن أبو مسلم وحكم على ذلك الموضع ، جعله دكا ، فكان بعد ذلك خرابا لا يسكن . وذكر بعضهم أنه أصابه سباء في صغره ، وأنه اشتراه بعض دعاة بني العباس بأربعمائة درهم ، وأن إبراهيم بن محمد الإمام استوهبه أو اشتراه ، فانتمى إليه ، وزوجه إبراهيم بن محمد ، حين بعثه إلى خراسان ، بنت أبي النجم عمران بن إسماعيل الطائي ، أحد دعاة بني العباس ، وأصدقها عنه أربعمائة درهم ، فولد لأبي مسلم بنتان; إحداهما أسماء ، أعقبت ، وفاطمة ، ولم تعقب .
وقد ذكرنا فيما سلف من السنين ، كيفية استقلال أبي مسلم بأمور خراسان في سنة تسع وعشرين ومائة ، ونشره دعوة بني العباس .
وقد كان ذا هيبة وصرامة وإقدام وتسرع; روى ابن عساكر من طريق مصعب بن بشر ، عن أبيه قال : قام رجل إلى أبي مسلم وهو يخطب ، فقال : ما هذا السواد الذي أرى عليك؟ فقال : حدثني أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء . وهذه ثياب الهيبة ، وثياب الدولة . يا غلام ، اضرب عنقه .
وعن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عباس قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : . من أراد هوان قريش أهانه الله
وقد كان إبراهيم بن ميمون الصائغ من أصحابه وجلسائه في زمن الدعوة ، وكان يعده إذا ظهر أن يقيم الحدود والعدل ، فلما تمكن أبو مسلم ما زال إبراهيم بن ميمون يلح عليه في القيام بما وعده به حتى أحرجه ، فضرب عنقه بعدما قال له : هلا كنت تنكر على نصر بن سيار وهو يعمل أواني الخمر من الذهب فيبعثها إلى بني أمية؟ ! فقال له : إن أولئك لم يعدوني من أنفسهم ما وعدتني أنت . وقد رأى بعضهم في المنام لإبراهيم منازل عالية في الجنة; بصبره على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، رحمه الله .
وقد ذكرنا ما اعتمده أبو مسلم في أيام السفاح من الطاعة الأكيدة له ، والمبادرة إلى أوامره ، وامتثال مراسيمه ، ثم لما صار الأمر إلى المنصور استخف به واحتقره ، ومع هذا كسر عمه عبد الله بن علي حين دعا إلى نفسه بالشام ، فاستنقذها منه وردها إلى حكم المنصور ، ثم شمخت نفسه على المنصور ، وهم بقلعه ، ففطن لذلك المنصور مع ما كان مبطنا له من البغضة ، وقد سأل أخاه السفاح غير مرة أن يقتله فيصدف عن ذلك ، وذكرنا أيضا ما كان من أمر أبي مسلم والمنصور من المراسلات والمكاتبات ، حين استوحش منه المنصور واتهمه بسوء النية ، وما زال يراسله ويستدعيه ويخدعه ويماكره حتى استحضره فقتله.