المؤمنين ، جنده جندك ، أمرتهم بطاعته فأطاعوه . فدعا أبا إسحاق وقال: أنت المبايع لعدو الله أبي مسلم على ما كان يفعل . فجعل يلتفت يمينا وشمالا تخوفا من أبي مسلم .
فقال له المنصور : تكلم بما أردت ، فقد قتل الله الفاسق . وأمر بإخراجه إليه مقطعا ، فخر أبو إسحاق ساجدا ، فأطال السجود وقال: الحمد لله ، والله ما أمنته يوما واحدا ، وما جئته يوما إلا وقد أوصيت وتكفنت وتحنطت . فقال: استقبل طاعة خليفتك ، واحمد الله الذي أراحك من الفاسق ، ثم دعا مالك بن الهيثم فكلمه بمثل ذلك ، فاعتذر إليه بأنه أمره بطاعته ، ثم أمرهم بتفريق جند أبي مسلم .
وبعث إلى عدة من قواد أبي مسلم بجوائز سنية ، وأعطى جميع جنوده حتى رضوا .
وكان أبو مسلم قد خلف أصحابه بحلوان وقدم المدائن في ثلاثة آلاف ، وخلف أبا نصر على ثقله وقال: أقم حتى يأتيك كتابي ، قال: فاجعل بيني وبينك آية أعرف بها كتابك . قال: إن أتاك كتابي مختوما بنصف خاتم فأنا كتبته ، وإن أتاك بخاتم كله فلم أكتبه .
فلما قتل أبو مسلم كتب أبو جعفر إلى أبي نصر كتابا عن لسان أبي مسلم يأمره بحمل ثقله وما خلف عنده ، وأن يقدم . وختم الكتاب بخاتم أبي مسلم ، فلما رأى أبو نصر نقش الخاتم تاما علم أن أبا مسلم لم يكتبه ، فقال: أفعلتموها ، وانحدر إلى همدان وهو يريد خراسان ، فكتب أبو جعفر إلى أبي نصر بعهده على شهرزور ، فلما مضى العهد جاءه الخبر أنه قد توجه إلى خراسان ، فكتب أبو جعفر إلى عامله بهمدان: إن مر بك أبو نصر فاحبسه . فأخذه فحبسه ، فقدم صاحب [الكتاب] بالعهد لأبي نصر فخلى سبيله ، ثم قدم كتاب آخر بعده بيومين يقول فيه: إن كنت أخذت أبا نصر فاقتله .
فقال: جاءني كتاب عهده فخليت سبيله .
وقدم أبو نصر على أبي جعفر فقال له: أشرت على أبي مسلم بالمضي إلى خراسان فقال: نعم يا أمير المؤمنين ، كانت له عندي أياد وصنائع ، فاستشارني فنصحته ، وأنت يا أمير المؤمنين إن اصطنعتني نصحت لك وشكرت . فعفا عنه .
وفي رواية: أن المنصور كتب إلى عامل أصبهان: لله دمك إن فاتك - يعني أبا نصر فأخذه وأوثقه وبعثه إليه فصفح عنه .
وقد كان أبو الجهم بن عطية أحد النقباء ، وكان عينا لأبي مسلم على المنصور ، فلما اتهمه المنصور طاوله يوما بالحديث حتى عطش ، فاستسقى ماء فدعي له بسويق لوز ممزوج بالسكر ، وفيه سم ، فشربه ، فلما استقر في جوفه أحس بالموت ، فوثب مسرعا فقال له: إلى أين؟ قال: إلى حيث أرسلتني . فرجع إلى رحله فمات . فقال الشاعر:
تجنب سويق اللوز لا تقربنه فشرب سويق اللوز أودى أبا الجهم
وذهبت "شربة أبي الجهم" مثلا للشيء الطيب الطعم الخبيث العاقبة .قال أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ: إن المنصور كان يقول: ثلاث كن في صدري شفى الله منها: كتاب أبي مسلم إلي وأنا خليفة: عافانا الله وإياك من السوء ، ودخول رسوله علينا وقوله: أيكم ابن الحارثية؟ وضرب سليمان بن حبيب ظهري بالسياط .
قال أبو محمد: كان سليمان قد استعمل المنصور على بعض كور فارس قبل أن تصير الخلافة إلى بني العباس ، فاحتجز المال لنفسه ، فضربه سليمان بالسياط ضربا شديدا وأغرمه المال ، فلما ولي الخلافة ضرب عنقه .