الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            775 - إسماعيل بن علي .

            عم المنصور . توفي في هذه السنة .

            776 - أشعث بن عبد الملك ، أبو هانئ الحمراني ، مولى حمران بن أبان .  

            سمع الحسن ، وابن سيرين . روى عنه يحيى القطان .

            توفي في هذه السنة . وكان ثقة .

            777 - رباح القيسي . يكنى: أبا المهاصر .

            كان كثير البكاء والتعبد ، وكان قد اتخذ غلا من حديد يضعه في عنقه بالليل ويبكي ويتضرع إلى الصباح .

            أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا الحسين بن صفوان قال: أخبرنا أبو بكر بن عبيد قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثني أبو عمر الضرير قال: حدثني الحارث بن سعيد قال: أخذ بيدي رباح فقال: هلم يا أبا محمد حتى نبكي على قصر الساعات ونحن على هذه الحال . قال: فخرجت معه إلى المقابر ، فلما نظر إلى القبور صرخ ، ثم خر مغشيا عليه . قال: فجلست والله عند رأسه أبكي ، فأفاق ، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى بك . قال: لنفسك فابك . ثم قال: وانفساه ، وانفساه ، ثم غشي عليه . قال: فرحمته والله مما نزل به ، ثم لم أزل عند رأسه حتى أفاق ، فوثب وهو يقول: تلك إذا كرة خاسرة ، تلك إذا كرة خاسرة .



            ومضى على وجهه وأنا أتبعه لا يكلمني حتى انتهى إلى منزله ، فدخل وأصفق بابه ، فرجعت إلى أهلي ، ولم يلبث إلا يسيرا حتى مات .

            778 - ضيغم بن مالك ، أبو مالك العابد .

            كان ورده كل يوم أربعمائة ركعة ، وكان كثير البكاء ، طويل الحزن ، وكان يقول: لو أعلم أن رضاه في أن أقرض لحمي لدعوت بالمقراض فقرضته .

            قال: مالك بن ضيغم : قالت أم ضيغم له يوما: ضيغم . قال لها: لبيك يا أماه . قالت: كيف فرحك بالقدوم على الله؟ قال: فحدثني غير واحد من أهله أنه صاح صحيحة لم يسمعوه صاح مثلها قط ، وسقط مغشيا عليه ، فجلست العجوز تبكي عند رأسه وتقول: بأبي أنت ، ما تستطيع أن يذكر بين يديك شيء من أمر ربك .

            قال: وقالت له يوما: ضيغم . قال: لبيك يا أماه . قالت: تحب الموت؟ قال: نعم يا أماه . قالت: ولم يا بني؟ قال: رجاء خير ما عند الله . قال: فبكت العجوز وبكى ، وتسامع أهل الدار ، فجلسوا يبكون لبكائهم .

            قال: وقالت له يوما آخر: ضيغم . قال: لبيك يا أماه . قالت: تحب الموت؟ قال: نعم يا أماه . قالت: ولم يا بني؟ قال: رجاء خير ما عند الله . قال: فبكت العجوز وبكى ، وتسامع أهل الدار ، فجلسوا يبكون لبكائهم .

            قال: وقالت له يوما آخر: ضيغم . قال: لبيك يا أماه . قالت: تحب الموت؟ قال: لا يا أماه . قالت: ولم يا بني؟ قال: لكثرة تفريطي وغفلتي عن نفسي . قال: فبكت العجوز وبكى ضيغم ، فاجتمع أهل الدار يبكون .

            وكانت أمه عربية كأنها من أهل البادية .

            779 - عمرو بن قيس ، أبو عبد الله الملائي .

            سمع عكرمة مولى ابن عباس ، وأبا إسحاق السبيعي ، وعطاء ، وعمر بن المنكدر .

            روى عنه الثوري ، وكان يثني عليه ، ويجلس بين يديه ينظر إليه لا يكاد يصرف بصره عنه ، يتأدب برويته . وكان ثقة صالحا يقال: إنه من الأبدال .

            وقال: عبد الله العجلي : جاءت امرأة إلى عمرو بن قيس بثوب فقالت: يا أبا عبد الله ، اشتر هذا الثوب ، واعلم أن غزله ضعيف . قال: فكان إذا جاءه إنسان فعرضه عليه قال: إن صاحبته أخبرتني أنه كان في غزله ضعف . حتى جاءه رجل فاشتراه ، وقال: قد أبرأناك منه .

            وقال: إسحاق بن خلف : أقام عمرو بن قيس عشرين سنة صائما ما يعلم به أهله ، يأخذ غداه ويغدو إلى الحانوت ، فيتصدق بغدائه ويصوم وأهله لا يدرون . قال: وكان إذا حضرته الرقة يحول وجهه إلى الحائط ويقول: هذا الزكام . وإذا نظر إلى أهل السوق قال: ما أغفل هؤلاء عما أعد لهم .

            قال: حفص بن غياث حدثنا أبي قال: لما احتضر عمرو بن قيس الملائي بكى . فقال أصحابه: علام تبكي من الدنيا؟ فوالله لقد كنت منغص العيش أيام حياتك . فقال: والله ما أبكي على الدنيا ، إنما أبكي خوفا أن أحرم خير الآخرة .

            قال: المحاربي : قال لي سفيان: عمرو بن قيس هو الذي أدبني ، علمني قراءة القرآن ، وعلمني الفرائض ، فكنت أطلبه في سوقه ، فإن لم أجده في سوقه وجدته في بيته ، إما يصلي وإما يقرأ القرآن في المصحف ، كأنه يبادر أمورا تفوته ، فإن لم أجده في بيته ، وجدته في بعض مساجد الكوفة في زاوية من زوايا المسجد كأنه سارق قاعد يبكي ، فإن لم أجده وجدته في المقبرة قاعدا ينوح على نفسه . فلما مات أغلق أهل الكوفة أبوابهم وخرجوا بجنازته ، فلما أخرجوه إلى الجبانة وبرزوا بسريره - وكان أوصى أن يصلي عليه أبو حيان التيمي - فلما تقدم أبو حيان وكبروا سمعوا صائحا يصيح: قد جاء المحسن ، قد جاء المحسن عمرو بن قيس . وإذا البرية مملوءة من طير أبيض لم ير على خلقتها وحسنها ، فجعل الناس يعجبون من حسنها وكثرتها . قال أبو حيان: من أي شيء تعجبون؟ هذه ملائكة جاءت فشهدت عمرا .

            قال: أبو خالد - هو الأحمر - : لما مات عمرو بن قيس رأوا الصحراء مملوءة رجالا عليهم ثياب بيض ، فلما صلي عليه ودفن لم يروا في الصحراء أحدا ، فبلغ ذلك لأبي جعفر فقال لابن شبرمة ، وابن أبي ليلى: ما منعكما أن تذكرا هذا الرجل لي فقالا: كان يسألنا أن لا نذكره لك .

            اختلفوا أين توفي ، فقيل: بالكوفة ، وقيل: بسجستان . وقيل: بالشام . وقيل: ببغداد . والأول أليق .

            780 - هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، أبو المنذر - وقيل: أبو عبد الله - الأسدي .  

            ولد سنة إحدى وستين ، رأى ابن عمر ، وجابرا ، وأنس بن مالك ، وسهل بن سعد ، وعبد الله بن الزبير .

            وسمع أباه ، وابن المنكدر ، والزهري ، وغيرهم .

            روى عنه أيوب السجستاني ، ومالك ، وابن جريح ، والثوري ، والليث بن سعد ، وغيرهم . وكان ثقة ، وقدم على المنصور .

            عن هشام بن عروة: أنه دخل على أبي جعفر المنصور ، فقال: يا أمير المؤمنين ، اقض عني ديني . قال: وكم دينك؟ قال: مائة ألف . قال: وأنت في فضلك وفهمك تأخذ دينا مائة ألف وليس عندك قضاؤها؟ قال: يا أمير المؤمنين ، شب فتيان من فتياننا ، فأحببت أن أبوئهم وخشيت أن ينتشر علي من أمرهم ما أكره فبوأتهم واتخذت لهم منازل وأولمت عنهم ثقة بالله وبأمير المؤمنين قال: فرد عليه مائة ألف استعظاما لها ، ثم قال: قد أمرنا لك بعشرة آلاف . قال: يا أمير المؤمنين ، فأعطني ما أعطيت وأنت طيب النفس ، فإني سمعت أبي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أعطى عطية وهو بها طيب النفس بورك للمعطي وللمعطى" قال: فإني بها طيب النفس .

            أخبرنا أبو منصور القزاز بإسناد له عن شيخ من قريش قال: أهوى هشام بن عروة إلى يد المنصور يقبلها فمنعه وقال: يا ابن عروة ، [إنا نكره ذلك ، ] إنا نكرمك عنها ونكرمها عن غيرك .

            توفي هشام عند المنصور فصلى عليه المنصور ، وكانت وفاته في هذه السنة وهو ابن خمس وثمانين سنة . وقيل: توفي في سنة خمس وأربعين . وقيل: سبع وأربعين .

            واختلفوا في قبره . قال أبو الحسين بن المنادي: أبو المنذر هشام بن عروة بن الزبير بن العوام مات أيام خلافة أبي جعفر في سنة ست وأربعين ، ودفن في الجانب الغربي خارج السور نحو باب قطربل .

            وعن طاهر الدقاق: أنه سمع أبا أحمد بن عبد الله بن الخفر ينكر أن يكون قبر هشام المشهور بالجانب الغربي ، وإنما هو بالخيزرانية من الجانب الشرقي .

            قال أحمد: ونرى أن هذا هو الصواب . [ وفيها ] مات هشام بن عروة بن الزبير ، وقيل سنة سبع وأربعين في شعبان   . وعوف الأعرابي . وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي الكوفي . ( وفيها توفي ابن السائب الكلبي النسابة ) .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية