ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
775 - إسماعيل بن علي .
عم المنصور . توفي في هذه السنة .
776 - أشعث بن عبد الملك ، أبو هانئ الحمراني ، مولى حمران بن أبان .
سمع الحسن ، وابن سيرين . روى عنه يحيى القطان .
توفي في هذه السنة . وكان ثقة .
777 - رباح القيسي . يكنى: أبا المهاصر .
كان كثير البكاء والتعبد ، وكان قد اتخذ غلا من حديد يضعه في عنقه بالليل ويبكي ويتضرع إلى الصباح .
أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا الحسين بن صفوان قال: أخبرنا أبو بكر بن عبيد قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثني أبو عمر الضرير قال: حدثني الحارث بن سعيد قال: أخذ بيدي رباح فقال: هلم يا أبا محمد حتى نبكي على قصر الساعات ونحن على هذه الحال . قال: فخرجت معه إلى المقابر ، فلما نظر إلى القبور صرخ ، ثم خر مغشيا عليه . قال: فجلست والله عند رأسه أبكي ، فأفاق ، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى بك . قال: لنفسك فابك . ثم قال: وانفساه ، وانفساه ، ثم غشي عليه . قال: فرحمته والله مما نزل به ، ثم لم أزل عند رأسه حتى أفاق ، فوثب وهو يقول: تلك إذا كرة خاسرة ، تلك إذا كرة خاسرة .
ومضى على وجهه وأنا أتبعه لا يكلمني حتى انتهى إلى منزله ، فدخل وأصفق بابه ، فرجعت إلى أهلي ، ولم يلبث إلا يسيرا حتى مات .
778 - ضيغم بن مالك ، أبو مالك العابد .
كان ورده كل يوم أربعمائة ركعة ، وكان كثير البكاء ، طويل الحزن ، وكان يقول: لو أعلم أن رضاه في أن أقرض لحمي لدعوت بالمقراض فقرضته .
قال: مالك بن ضيغم : قالت أم ضيغم له يوما: ضيغم . قال لها: لبيك يا أماه . قالت: كيف فرحك بالقدوم على الله؟ قال: فحدثني غير واحد من أهله أنه صاح صحيحة لم يسمعوه صاح مثلها قط ، وسقط مغشيا عليه ، فجلست العجوز تبكي عند رأسه وتقول: بأبي أنت ، ما تستطيع أن يذكر بين يديك شيء من أمر ربك .
قال: وقالت له يوما: ضيغم . قال: لبيك يا أماه . قالت: تحب الموت؟ قال: نعم يا أماه . قالت: ولم يا بني؟ قال: رجاء خير ما عند الله . قال: فبكت العجوز وبكى ، وتسامع أهل الدار ، فجلسوا يبكون لبكائهم .
قال: وقالت له يوما آخر: ضيغم . قال: لبيك يا أماه . قالت: تحب الموت؟ قال: نعم يا أماه . قالت: ولم يا بني؟ قال: رجاء خير ما عند الله . قال: فبكت العجوز وبكى ، وتسامع أهل الدار ، فجلسوا يبكون لبكائهم .
قال: وقالت له يوما آخر: ضيغم . قال: لبيك يا أماه . قالت: تحب الموت؟ قال: لا يا أماه . قالت: ولم يا بني؟ قال: لكثرة تفريطي وغفلتي عن نفسي . قال: فبكت العجوز وبكى ضيغم ، فاجتمع أهل الدار يبكون .
وكانت أمه عربية كأنها من أهل البادية .
779 - عمرو بن قيس ، أبو عبد الله الملائي .
سمع عكرمة مولى ابن عباس ، وأبا إسحاق السبيعي ، وعطاء ، وعمر بن المنكدر .
روى عنه الثوري ، وكان يثني عليه ، ويجلس بين يديه ينظر إليه لا يكاد يصرف بصره عنه ، يتأدب برويته . وكان ثقة صالحا يقال: إنه من الأبدال .
وقال: عبد الله العجلي : جاءت امرأة إلى عمرو بن قيس بثوب فقالت: يا أبا عبد الله ، اشتر هذا الثوب ، واعلم أن غزله ضعيف . قال: فكان إذا جاءه إنسان فعرضه عليه قال: إن صاحبته أخبرتني أنه كان في غزله ضعف . حتى جاءه رجل فاشتراه ، وقال: قد أبرأناك منه .
وقال: إسحاق بن خلف : أقام عمرو بن قيس عشرين سنة صائما ما يعلم به أهله ، يأخذ غداه ويغدو إلى الحانوت ، فيتصدق بغدائه ويصوم وأهله لا يدرون . قال: وكان إذا حضرته الرقة يحول وجهه إلى الحائط ويقول: هذا الزكام . وإذا نظر إلى أهل السوق قال: ما أغفل هؤلاء عما أعد لهم .
قال: حفص بن غياث حدثنا أبي قال: لما احتضر عمرو بن قيس الملائي بكى . فقال أصحابه: علام تبكي من الدنيا؟ فوالله لقد كنت منغص العيش أيام حياتك . فقال: والله ما أبكي على الدنيا ، إنما أبكي خوفا أن أحرم خير الآخرة .
قال: المحاربي : قال لي سفيان: عمرو بن قيس هو الذي أدبني ، علمني قراءة القرآن ، وعلمني الفرائض ، فكنت أطلبه في سوقه ، فإن لم أجده في سوقه وجدته في بيته ، إما يصلي وإما يقرأ القرآن في المصحف ، كأنه يبادر أمورا تفوته ، فإن لم أجده في بيته ، وجدته في بعض مساجد الكوفة في زاوية من زوايا المسجد كأنه سارق قاعد يبكي ، فإن لم أجده وجدته في المقبرة قاعدا ينوح على نفسه . فلما مات أغلق أهل الكوفة أبوابهم وخرجوا بجنازته ، فلما أخرجوه إلى الجبانة وبرزوا بسريره - وكان أوصى أن يصلي عليه أبو حيان التيمي - فلما تقدم أبو حيان وكبروا سمعوا صائحا يصيح: قد جاء المحسن ، قد جاء المحسن عمرو بن قيس . وإذا البرية مملوءة من طير أبيض لم ير على خلقتها وحسنها ، فجعل الناس يعجبون من حسنها وكثرتها . قال أبو حيان: من أي شيء تعجبون؟ هذه ملائكة جاءت فشهدت عمرا .
قال: أبو خالد - هو الأحمر - : لما مات عمرو بن قيس رأوا الصحراء مملوءة رجالا عليهم ثياب بيض ، فلما صلي عليه ودفن لم يروا في الصحراء أحدا ، فبلغ ذلك لأبي جعفر فقال لابن شبرمة ، وابن أبي ليلى: ما منعكما أن تذكرا هذا الرجل لي فقالا: كان يسألنا أن لا نذكره لك .
اختلفوا أين توفي ، فقيل: بالكوفة ، وقيل: بسجستان . وقيل: بالشام . وقيل: ببغداد . والأول أليق .
780 - هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، أبو المنذر - وقيل: أبو عبد الله - الأسدي .
ولد سنة إحدى وستين ، رأى ابن عمر ، وجابرا ، وأنس بن مالك ، وسهل بن سعد ، وعبد الله بن الزبير .
وسمع أباه ، وابن المنكدر ، والزهري ، وغيرهم .
روى عنه أيوب السجستاني ، ومالك ، وابن جريح ، والثوري ، والليث بن سعد ، وغيرهم . وكان ثقة ، وقدم على المنصور .
عن هشام بن عروة: أنه دخل على أبي جعفر المنصور ، فقال: يا أمير المؤمنين ، اقض عني ديني . قال: وكم دينك؟ قال: مائة ألف . قال: وأنت في فضلك وفهمك تأخذ دينا مائة ألف وليس عندك قضاؤها؟ قال: يا أمير المؤمنين ، شب فتيان من فتياننا ، فأحببت أن أبوئهم وخشيت أن ينتشر علي من أمرهم ما أكره فبوأتهم واتخذت لهم منازل وأولمت عنهم ثقة بالله وبأمير المؤمنين قال: فرد عليه مائة ألف استعظاما لها ، ثم قال: قد أمرنا لك بعشرة آلاف . قال: يا أمير المؤمنين ، فأعطني ما أعطيت وأنت طيب النفس ، فإني سمعت أبي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أعطى عطية وهو بها طيب النفس بورك للمعطي وللمعطى" قال: فإني بها طيب النفس .
أخبرنا أبو منصور القزاز بإسناد له عن شيخ من قريش قال: أهوى هشام بن عروة إلى يد المنصور يقبلها فمنعه وقال: يا ابن عروة ، [إنا نكره ذلك ، ] إنا نكرمك عنها ونكرمها عن غيرك .
توفي هشام عند المنصور فصلى عليه المنصور ، وكانت وفاته في هذه السنة وهو ابن خمس وثمانين سنة . وقيل: توفي في سنة خمس وأربعين . وقيل: سبع وأربعين .
واختلفوا في قبره . قال أبو الحسين بن المنادي: أبو المنذر هشام بن عروة بن الزبير بن العوام مات أيام خلافة أبي جعفر في سنة ست وأربعين ، ودفن في الجانب الغربي خارج السور نحو باب قطربل .
وعن طاهر الدقاق: أنه سمع أبا أحمد بن عبد الله بن الخفر ينكر أن يكون قبر هشام المشهور بالجانب الغربي ، وإنما هو بالخيزرانية من الجانب الشرقي .
قال أحمد: ونرى أن هذا هو الصواب . [ وفيها ] . وعوف الأعرابي . وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي الكوفي . ( وفيها توفي ابن السائب الكلبي النسابة ) . مات هشام بن عروة بن الزبير ، وقيل سنة سبع وأربعين في شعبان