وفي هذه السنة: حج بالناس المنصور ، وقبض على جعفر بن محمد بن علي بالمدينة
قال: عبد الله بن الفضل بن الربيع - ولم يحفظ الدعاء وبعضه عن غيره - قال: حج أبو جعفر سنة سبع وأربعين ومائة ، فقدم المدينة فقال: ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به متعبا ، قتلني الله إن لم أقتله . فتغافل عنه الربيع لينساه ، ثم أعاد ذكره للربيع وقال: ابعث إليه من يأتي به متعبا . فتغافل عنه ، ثم أرسل إلى الربيع برسالة قبيحة في جعفر وأمره أن يبعث إليه ففعل . فلما أتاه فقال: أبا عبد الله ، اذكر الله ، فإنه قد أرسل إليك التي لا سوى لها . قال جعفر: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ثم أعلم أبا جعفر حضوره ، فلما دخل أوعده وقال أبو عبد الله: اتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم ، وتلحد في سلطاني وتبغيه الغوائل ، قتلني الله إن لم أقتلك . فقال: يا أمير المؤمنين ، إن سليمان عليه السلام أعطي فشكر ، وإن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف ظلم فغفر ، وأنت من ذلك الشيخ . فقال له أبو جعفر : إلي وعندي أبا عبد الله البريء الساحة ، السليم الناحية ، القليل الغائلة ، جزاك الله من ذي رحم أفضل ما جزى ذوي الأرحام عن أرحامهم . ثم تناول يده فأجلسه معه على فرشه ، ثم قال: علي بالمحفة . فأتى بدهن فيه غالية فعلقه بيده حتى خلت لحيته قاطرة ، ثم قال: في حفظ الله وكلاءته . ثم قال: يا ربيع ، ألحق أبا عبد الله جائزته وكسوته ، انصرف أبا عبد الله في حفظ الله وفي كنفه . فانصرف ، ولحقته فقلت له: إني رأيت قبل ذلك ما لم تره ، ورأيت بعد ذلك ما قد رأيت ، فما قلت يا أبا عبد الرحمن حين دخلت . قال: قلت: اللهم احرسني بعينك التي لا تنام ، وأكنفني ببركتك التي لا ترام ، وارحمني بقدرتك علي ، فلا أهلك وأنت رجائي ، اللهم إنك أكبر وأجل مما أخاف وأحذر ، اللهم بك أدفع في نحره ، وأستعيذك من شره .