ذكر ولاية الأغلب بن سالم إفريقية
لما بلغ المنصور خروج محمد بن الأشعث من إفريقية بعث إلى الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة التميمي عهدا بولاية إفريقية .
وكان هذا الأغلب ممن قام مع أبي مسلم الخراساني ، وقدم إفريقية مع محمد بن الأشعث ، فلما أتاه العهد قدم القيروان في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين ومائة وأخرج جماعة من قواد المضرية ، وسكن الناس .
وخرج عليه أبو قرة في جمع كثير من البربر ، فسار إليه الأغلب ، فهرب أبو قرة من غير قتال ، وسار الأغلب يريد طنجة ، فاشتد ذلك على الجند وكرهوا المسير وتسللوا عنه إلى القيروان ، فلم يبق معه إلا نفر يسير .
وكان الحسن بن حرب الكندي بمدينة تونس ، وكاتب الجند ودعاهم إلى نفسه ، فأجابوه ، فسار حتى دخل القيروان من غير مانع .
وبلغ الأغلب الخبر فعاد مجدا ، فقال له بعض أصحابه : ليس من الرأي ( أن تعدل [ إلى ] لقاء العدو في هذه العدة القليلة ، ولكن الرأي أن تعدل إلى قابس ، فإن أكثر من معه يجيء إليك ، لأنهم إنما كرهوا المسير إلى طنجة لا غير وتقوى بهم وتقاتل عدوك .
ففعل ذلك وكثر جمعه وسار إلى الحسن بن حرب ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم الحسن وقتل من أصحابه جمع كثير ، ومضى الحسن إلى تونس ( في جمادى الآخرة سنة خمسين ومائة ) ، ودخل الأغلب القيروان .
وحشد الحسن وجمع فصار في عدة عظيمة ، فقصد الأغلب ، فخرج إليه الأغلب من القيروان ، فالتقوا واقتتلوا ، فأصاب الأغلب سهم فقتله ، وثبت أصحابه ، ( فتقدم عليهم المخارق بن غفار ، فحمل المخارق على الحسن ، وكان في ميمنة الأغلب ، فهزمه ، فمضى منهزما إلى تونس في شعبان سنة خمسين ومائة .
وولي المخارق إفريقية في رمضان ، ووجه الخيل في طلب الحسن ، فهرب الحسن من تونس إلى كنايه فأقام شهرين ، ثم رجع إلى تونس ، فخرج إليه من بها من الجند فقتلوه .
( وقد قيل : إن الحسن قتل بعد قتل الأغلب ، لأن أصحاب الأغلب ثبتوا بعد قتله ) في المعركة ، فقتل الحسن بن حرب أيضا ، وولى أصحابه منهزمين وصلب الحسن ، ودفن الأغلب وسمي الشهيد ، وكانت هذه الوقعة في شعبان سنة خمسين ومائة .