أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر .
كان عالما زاهدا عابدا ، أسند عن أبيه وعطاء وعكرمة .
عن يحيى بن الفرات قال: قال جعفر بن محمد لسفيان الثوري: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: تعجيله ، وتصغيره ، وستره .
قال: الهيثم : حدثني بعض أصحاب جعفر الصادق قال: دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية ، فكان مما حفظت منها أن قال: يا بني ، اقبل وصيتي ، واحفظ مقالتي ، فإنك إن حفظتها تعش سعيدا ، وتمت حميدا ، يا بني ، إنه من قنع بما قسم له استغنى ، ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ، ومن لم يرض بما قسم الله له اتهم الله في قضائه ، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه . يا بني ، من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها ، ومن داخل السفهاء حقر ، ومن خالط العلماء وقر ، ومن دخل مداخل السوء اتهم . يا بني ، قل الحق لك وعليك ، وإياك والنميمة ، فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال . يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه .
قال : الثوري يقول: دخلت على جعفر بن محمد الصادق فقلت له: يا ابن رسول الله ، ما لي أراك قد اعتزلت عن الناس؟ قال: يا سفيان ، فسد الزمان ، وتغير الإخوان ، فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد ، ثم أنشأ يقول:
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب والناس بين مخاتل وموارب يفشون بينهم المودة والصفا
وقلوبهم محشوة بعقارب
أصله من طبرستان ، من قرية يقال لها: دباوند . ولد يوم قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، وسكن الكوفة ، ورأى أنس بن مالك ، ولم يسمع منه . ورأى أبا بكرة الثقفي وأخذ بركابه ، فقال له: يا بني ، إنما أكرمت ربك عز وجل .
وسمع المغرور بن سويد ، وأبا وائل ، وإبراهيم التيمي ، وسفيان الثوري ، وغيرهم ، وكان من أقرأ الناس للقرآن وأعرفهم بالفرائض ، وأحفظهم للحديث وأوثقهم قال: عيسى بن يونس : لم نر نحن ولا القرن الذين كانوا قبلنا مثل الأعمش ، وما رأيت الأغنياء والسلاطين عند أحد أحقر منهم عند الأعمش مع فقره وحاجته .
وقال: أبو هشام : سمعت عمي يقول: قال عيسى بن موسى لابن أبي ليلى: اجمع الفقهاء . قال: فجمعتهم ، فجاء الأعمش في جبة فرو وقد ربط وسطه بشريط ، فأبطئوا فقام الأعمش فقال: إن أردتم أن تعطونا شيئا وإلا فخلوا سبيلنا . فقال: يا ابن أبي ليلى ، قلت لك تأتي بالفقهاء تجيء بهذا؟ ! قال: هذا سيدنا ، هذا الأعمش .
وعن وكيع قال: كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى ، واختلفت إليه قريبا من سنتين ، فما رأيته يقضي ركعة .
وقال: جرير قال: جئنا الأعمش يوما فوجدناه قاعدا في ناحية ، فجلسنا في ناحية أخرى وفي الموضع خليج من ماء المطر ، فجاء رجل عليه سواد ، فلما بصر بالأعمش عليه فروة حقيرة قال: قم عبرني هذا الخليج . وجذب بيده فأقامه وركبه وقال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين فمضى به الأعمش حتى توسط به الخليج ، ثم رمى به وقال: وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ثم خرج وترك المسود يتخبط في الماء .
قال مسلم بن إبراهيم: سمعت شعبة يقول: كان الأعمش إذا رأى ثقيلا قال [له]: كم عرضك تقيم في هذه البلدة .
قال الربيع بن نافع: كنا نجلس إلى الأعمش فيقول: في السماء غيم . يعني ها هنا من نكره .
و عن إسماعيل بن زياد قال: نشزت على الأعمش امرأته ، وكان يأتيه رجل يقال له: أبو البلاد مكفوف ، فصيح يتكلم بالإعراب يتطلب الحديث منه ، فقال له: يا أبا البلاد ، إن امرأتي قد نشزت علي ، وضيعت بيتي وغمتني ، فأنا أحب أن تدخل عليها فتخبرها بمكاني من الناس وموضعي عندهم . فدخل عليها فقال: يا هنياه ، إن الله قد أحسن قسمك ، هذا شيخنا وسيدنا ، وعنه نأخذ أصل ديننا ، وحلالنا وحرامنا ، لا يغرنك عموشة عينيه ، ولا خموشة ساقيه . فغضب الأعمش وقال: يا أعمى يا خبيث ، أعمى الله قلبك ، قد أخبرتها بعيوبي كلها ، اخرج من بيتي . فأخرجه من بيته .
عن الحسن بن يحيى بن آدم قال: حدثتني أمي قالت: لم تكن بالكوفة امرأة أجمل من امرأة الأعمش ، فابتليت بالأعمش وبقبح وجهه ، وسوء خلقه .
توفي الأعمش في ربيع الأول من هذه السنة ، وهو ابن ثمان وثمانين سنة . وقيل: توفي سنة سبع . عمار بن سعد السلهمي .
يروي عنه عطاء بن دينار ، وحيوة بن شريح ، وكان فاضلا ، كان يقول: من تخايل الثواب خف عليه العمل ، وما لاءم القلب خف على الجسد ، ولسان الحكيم في قلبه وقلب الأحمق في طرف لسانه ، ما خطر على قلبه نطق به . محمد بن عجلان ، مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة ، يكنى أبا عبد الله .
وكان ثقة كثير الحديث ، روى عنه حيوة بن شريح ، والليث ، وغيرهما . وكان يخضب بالصفرة . توفي بالمدينة في هذه السنة .
قال صفوان بن عيسى : مكث محمد بن عجلان في بطن أمه ثلاث سنين ، فشق بطن أمه فأخرج وقد نبتت أسنانه .
وعن محمد بن عمر قال: خرج محمد بن عجلان مع محمد بن عبد الله بن حسين حتى خرج بالمدينة فلما قتل وولي جعفر بن سليمان المدينة بعث إلى محمد بن عجلان فأتي به فبكته وكلمه كلاما شديدا وقال له: خرجت مع الكلاب . وأمر بقطع يده . فلم يتكلم محمد بن عجلان بكلمة إلا أنه يحرك شفتيه بشيء لا ندري ما هو ، يظن أنه يدعو . قال: فقام من حضر جعفر بن سليمان من فقهاء المدينة وأشرافهم . فقالوا: أصلح الله الأمير ، محمد بن عجلان فقيه أهل المدينة وعابدها ، وإنما شبه عليه ، فظن أنه المهدي الذي جاءت فيه الرواية ، فلم يزالوا يشفعون إليه حتى تركه . فولى محمد بن عجلان منصرفا لم يتكلم بكلمة إلى منزله . [ الوفيات ]
وفيها مات زكرياء بن أبي زائدة . وأبو أمية عمرو بن الحارث بن يعقوب مولى قيس بن سعد بن عبادة ، وقيل غير ذلك ، وكان مولده سنة تسعين . وعبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ، ويقال مولى تميم ، وهو ثقة .
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي . ومحمد بن الوليد الزبيدي . ومحمد بن عجلان المدني . وعوام بن حوشب بن يزيد بن رويم الشيباني الواسطي . ويحيى بن أبي عمرو السيباني ، من أهل الرملة .
( سيبان : بالسين المهملة ، ثم بالياء المثناة من تحت ، ثم بالباء الموحدة : بطن من حمير ) .