وفيها: وقد كان المنصور طلب معنا ليهلكه ثم أمنه وولاه . ولى أبو جعفر معن بن زائدة سجستان ، وحميد بن قحطبة خراسان ،
أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال: أنبأنا علي بن أبي علي البصري ، عن أبيه قال: أخبرنا أبو الفرج بن علي بن الحسين القرشي قال: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي ، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثنا محمد بن نعيم البلخي قال: حدث مروان بن أبي حفصة قال: كان المنصور قد طلب معن بن زائدة الشيباني طلبا شديدا ، وجعل فيه مالا ، فحدثني معن باليمن أنه اضطر لشدة الطلب حتى قام في الشمس حتى لوحت وجهه ، وخفف عارضه ولحيته ، ولبس جبة صوف غليظة ، وركب حملا من حمال النقالة ، وخرج ليمضي إلى البادية ، وقد كان أبلى في حرب بين يدي عمر بن هبيرة بلاء عظيما ، فغاظ المنصور في طلبه قال معن: فلما خرجت من باب حرب تبعني أسود متقلد سيفا حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه ، وقبض علي ، فقلت: ما لك؟ فقال:
أنت طلبة أمير المؤمنين ، فقلت: ومن أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين ، فقال: أنت معن بن زائدة ، فقلت: يا هذا اتق الله ، وأين أنا من معن بن زائدة ، فقال: دع ذا عنك فأنا والله أعرف بك من نفسك ، فقلت له: إن كان كما تقول فهذا جوهر حملته معي بأضعاف ما بذله المنصور لمن جاء بي ، فخذه ولا تسفك دمي ، قال: هاته ، فأخرجته إليه فنظر إليه ساعة وقال: صدقت في قيمته ولست نائله حتى أسألك عن شيء ، فإن صدقتني أطلقتك ، قلت: قل ، قال: فإن الناس قد وصفوك بالجود ، فأخبرني هل وهبت قط مالك كله ، قلت: لا ، قال: فنصفه ، قلت: لا ، قال: فثلثه قلت: لا ، حتى بلغ العشر فاستحييت ، فقلت: أظن أني قد فعلت ذلك ، قال: ما أراك فعلته أنا والله رجل راجل رزقي مع أبي جعفر عشرون درهما ، وهذا الجوهر قيمته آلاف دنانير ، وقد وهبته لك ووهبتك نفسك لجودك المأثور بين الناس ، ولتحتقر بعد هذا كل شيء تفعله ولا تتوقف في مكرمة ، ثم رمى بالعقد في حجري وخلى خطام البعير وانصرف ، فقلت: يا هذا ، قد والله فضحتني ، ولسفك دمي أهون علي مما فعلته ، فخذ ما دفعته إليك فإني غني عنه ، فضحك وقال: أردت أن تكذبني في مقامي هذا ، والله لا آخذه ولا أتخذ لمعروف ثمنا أبدا ، ومضى ، فوالله لقد طلبته بعد أن أمنت وبذلت لمن جاءني به ما شاء ، فما عرفت له خبرا .