الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            إبراهيم بن يزيد بن شراحيل ، أبو خزيمة:

            دخل على عبد الله بن الحارث بن جزء ، وروى عن يزيد بن أبي حبيب . وروى عنه المفضل بن فضالة ، وجرير بن حازم ، ورشدين بن سعد . وولي القضاء بمصر بعد أن عرضه الأمير عبد الملك بن يزيد أبو عون على السيف . توفي في هذه السنة . أشعب الطامع ،  ويقال إن اسمه شعيب ، واسم أبيه جبير:

            ولد أشعب سنة تسع من الهجرة ، وكان أشعب خال الأصمعي ، وقيل: خال الواقدي .

            وفي كنيته قولان ، أحدهما: أبو العلاء ، والثاني: أبو إسحاق .

            وفي اسم أمه ثلاثة أقوال ، أحدها: جعدة مولاة أسماء بنت أبي بكر ، والثاني: أم حميدة ، والثالث: أم حميدة بفتح الحاء .

            واتفقوا أنه مولى ، واختلفوا في مولاه على أربعة أقوال: أحدها: عثمان بن عفان ، والثاني سعيد بن العاص ، والثالث: عبد الله بن الزبير ، والرابع: فاطمة بنت الحسين .

            وعمر دهرا طويلا ، وكان قد أدرك زمن عثمان بن عفان ، قرأ القرآن وتنسك .

            وروى عن عبد الله بن جعفر ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وعكرمة .

            وتوفي في هذه السنة ، وله أخبار طريفة .

            قال: أبو العباس نسيم الكاتب ، : قيل لأشعب: طلبت العلم ، وجالست الناس ، ثم تركت ، فلو جلست لنا فسمعنا منك ، فقال: نعم ، فجلس لهم فقالوا: حدثنا ، فقال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن العباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلتان لا تجتمعان في مؤمن " . ثم سكت ، فقالوا: ما الخلتان؟ فقال: نسي عكرمة واحدة ونسيت أنا الأخرى .

            قال الواقدي: لقيت أشعب يوما فقال لي: يا ابن واقد قد وجدت دينارا ، فكيف أصنع به؟ قلت: تعرفه؟ قال: سبحان الله ، قلت: فما الرأي؟ قال: أشتري به قميصا وأعرفه ، قلت: إذا لا يعرفه أحد ، قال: فذاك أريد .

            [قال المصنف]: وقد نقلت عن أشعب كلمات مضحكات ونوادر .

            قال الهيثم بن عدي: أسلمته فاطمة بنت الحسين إلى البزازين ، فقيل له: أين بلغت من معرفة البز؟ قال: أحسن أنشر ولا أحسن أطوي ، وأرجو أن أتعلم الطي .

            ومر برجل يتخذ طبقا ، فقال: اجعله واسعا لعلهم أن يهدون إلينا فيه .

            وقال أبو عبد الرحمن المقري: قال أشعب: ما خرجت في جنازة قط فرأيت اثنين يتشاوران إلا ظننت أن الميت قد أوصى لي بشيء .

            قال سليمان الشاذكوني: كان لي بني في المكتب فانصرف إلي يوما فقال: يا أبت ، ألا أحدثك بطريف؟ فقلت: هات ، فقال: كنت أقرأ على المعلم أن أبي يدعوك وأشعب الطامع عنده جالس ، فلبس نعليه وقال: امش بين يدي ، فقلت: إنما أقرأ عشري ، فقال: عجبت أن تفلح أو يفلح أبوك . سعيد بن يزيد ، أبو شجاع القتباني:  

            روى عنه الليث بن سعد ، وابن المبارك ، وكان ثقة من العباد المجتهدين . كان إذا أصبح عصب ساقه من طول القيام . توفي بالإسكندرية [في هذه السنة] . سليمان بن أبي سليمان المورياني ، مولى بني سليم:

            كان قديما مع ابن هبيرة ، ثم استكتبه المنصور ، ثم أخبر المنصور أن خالدا أخا أبي أيوب ، وكان بالأهواز قد جمع مالا عظيما ، فغضب عليه المنصور فحبسه وحبس أخاه خالدا وبني أخيه ، وقطع أيدي بني أخيه وقتلهم على ما سبق ذكره . وكان أبو أيوب [سليمان] كريما جوادا .

            قال ابن شبرمة: زوجت ابني على ألفي درهم فلم أقدر عليها ، ففكرت فيمن أقصد ، فوقع في قلبي أبو أيوب المورياني ، فدخلت عليه فقال: لك ألفان ، فلما نهضت لأقوم ، قال: والمهر ألفان فأين الجهاز؟ ثم قال: ألفان للجهاز ، فذهبت لأقوم فقال: المهر والجهاز فأين الخادم؟ ولك ألفان للخادم ، فذهبت لأقوم فقال: والشيخ لا يصيب شيئا؟ ولك ألفان ، فلم أزل أقوم ويقعدني حتى انصرفت من عنده بخمسين ألفا .

            قال: العباس بن إبراهيم ،

            كان أبو أيوب إذا دعاه المنصور يصفر ويرعد ، فإذا خرج من عنده تراجع لونه ، فقيل له: إنا نراك مع كثرة دخولك إلى أمير المؤمنين وأنسه بك إذا دخلت إليه ترعد ، فقال: مثلي ومثلكم في هذا كمثل بازي وديك تناظرا ، فقال البازي للديك: ما أعرف أقل وفاء منك ، فقال: وكيف ذاك؟ فقال: تؤخذ بيضة ويحضنك أهلك وتخرج على أيديهم فيطعمونك بأكفهم حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت ها هنا وها هنا وصحت ، فإذا علوت حائط دار كنت فيها سنين طرت منها وتركتها وصرت إلى غيرها . وأنا أؤخذ من الجبال وقد كبرت فأطعم الشيء اليسير وأؤنس يوما أو يومين ثم أطلق على الصيد فأطير وحدي وآخذه وأجيء به إلى صاحبي . فقال له الديك: [ذهبت عنك الحجة] أما لو رأيت بازيا في سفود ما عدت إليهم أبدا ، وأنا في كل وقت أرى السفافيد مملوءة ديوكا وأبيت معهم ، فأنا أكثر وفاء منك ، ولو عرفتم من المنصور ما أعرف لكنتم أسوأ حالا مني عند طلبه إياكم .

            توفي أبو أيوب في هذه السنة . عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المديني:

            وكان من أحسن الناس صورة .

            عن أبي هريرة بن جعفر المخزومي: أن الديباج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وعبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب خطبا امرأة من قريش ، فاختلف عليها في جمالهما ، فجعلت تسأل وتبحث إلى أن خرجت تريد صلاة العتمة في المسجد ، فرأتهما قائمين في القمر يتعاتبان في أمرها ، فنظرت إلى بياض عبد العزيز وطوله ، فتزوجته ، فجمع الناس وأولم لدخولها ، فبعث إلى محمد بن عبد الله بن عمرو فدعاه فيمن دعاه ، فأكرمه وأجلسه في مجلس شريف ، فلما فرغ الناس برك له محمد بن عبد الله بن عمرو وخرج وهو يقول:


            وبينا أرجي أن أكون وليها رميت بعرق من وليمتها سخن

            قال الزبير: وحدثني مصعب بن عثمان ، ومحمد بن الضحاك الخزامي ، ومحمد بن الحسن المخزومي وغيرهم: أن عبد العزيز بن عبد الله كان فيمن أسر مع محمد بن عبد الله بن حسن ، فلما قتل محمد حمل عبد العزيز إلى المنصور في حديد ، فلما دخل عليه قال له: ما رضيت أن خرجت علي حتى خرجت معك بثلاثة أسياف من ولدك ، فقال له عبد العزيز: يا أمير المؤمنين ، صل رحمي واعف عني واحفظ في عمر بن الخطاب ، فقال: أفعل ، فعفا عنه ، فقال له عبد الله بن الربيع: يا أمير المؤمنين ، اضرب عنقه لا يطمع فيك فتيان قريش ، فقال له المنصور : إذا قتلت هذا فعلى من تحب أن أتأمر . علي بن صالح بن حي:

            ولد هو وأخوه الحسن توأما في بطن ، وكان علي قد تقدم بساعة ، وكان الحسن يعظمه ويقول: قال أبو محمد . وكان علي كثير العبادة ، وأسند عن جماعة من التابعين ، وتوفي في هذه السنة .

            قال: الحسن بن حي قال لي أخي علي في الليلة التي توفي فيها: اسقني ماء ، وكنت قائما أصلي ، فلما قضيت الصلاة أتيته بماء فقلت يا أخي ، فقال: لبيك ، فقلت: هذا ماء ، فقال: قد شربت الساعة ، فقلت: من سقاك وليس في الغرفة غيري وغيرك؟ قال: أتاني جبريل الساعة بماء فسقاني وقال لي: أنت وأخوك وأبوك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . وخرجت روحه رحمة الله عليه . الفضل بن عطية الخراساني المروزي ، مولى بني عبس:  روى عن سالم بن عبد الله .

            عن سلام بن سالم ، قال: زاملت الفضل بن عطية إلى مكة فلما رحلنا من فيد أنبهني في جوف الليل ، فقلت: ما تشاء؟ قال: أريد أن أوصي إليك ، قلت: غفر الله لك وأنت صحيح ، فجزعت من قوله ، فقال: لتقبلن ما أقول لك ، قلت: نعم فأخبرني ما الذي حملك عليها هذه الساعة؟ قال: أريت في منامي ملكين فقالا: إنا قد أمرنا بقبض روحك ، فقلت لهم: لو أخرتماني إلى أن أقضي نسكي ، فقال: إن الله عز وجل قد تقبل منك نسكك ، ثم قال أحدهما للآخر: افتح إصبعيك ، ففتح السبابة والوسطى فخرج من بينهما ثوبان ملأت خضرتهما ما بين السماء والأرض ، فقالا: هذا كفنك من الجنة ، ثم طواه وجعله بين إصبعيه ، فما وردنا المنزل حتى قبض ، فإذا امرأة قد استقبلتنا وهي تسأل الرفاق: هل فيكم الفضل بن عطية؟ فلما انتهت إلينا قلت: ما حاجتك إلى الفضل؟ هذا الفضل زميلي ، فقالت: رأيت في المنام أنه يصبحنا اليوم رجل ميت يسمى الفضل بن عطية من أهل الجنة ، فأحببت [أن أشهد] الصلاة عليه . محمد بن عمران بن إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني ، أبو سليمان:

            [ولي القضاء بالمدينة لبني أمية ، ثم ولاه ذلك المنصور ، وكان مهيبا قليل الحديث ، و] مات بالمدينة في هذه السنة وهو على القضاء ، فبلغ موته المنصور ، فقال: اليوم استوت قريش .

            عن نمير المدني ، قال: قدم علينا أمير المؤمنين المنصور المدينة ، ومحمد بن عمران الطلحي على قضائه وأنا كاتبه ، فاستعدى الحمالون على أمير المؤمنين في شيء ذكروه ، فأمرني أن أكتب إليه كتابا بالحضور معهم وإنصافهم ، فقلت: اعفني من هذا فإنه يعرف خطي ، فقال: اكتب ، فكتبت ثم ختمه وقال: لا يمضي به والله غيرك ، فمضيت به إلى الربيع وجعلت أعتذر إليه ، فقال: لا تفعل ، فدخل عليه بالكتاب ثم خرج الربيع فقال للناس وقد حضر وجوه أهل المدينة والأشراف وغيرهم: إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: إني قد دعيت إلى مجلس الحكم فلا أعلمن أحدا قام إلي إذا خرجت أو بدأني بالسلام .

            قال: ثم خرج المسيب بين يديه والربيع وأنا خلفه في إزار ورداء ، فسلم على الناس ، فما قام إليه أحد ، ثم مضى حتى بدأ بالقبر فسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم التفت إلى الربيع ، فقال: يا ربيع ، ويحك أخشى إن رآني محمد بن عمران أن يدخل قلبه هيبة فيتحول عن مجلسه ، وتالله لئن فعل لا ولي لي ولاية أبدا .

            قال: فلما رآه - وكان متكئا - أطلق رداءه على عاتقه ثم احتبى به ودعى بالخصوم وبالحمالين ، ثم دعا بأمير المؤمنين ثم ادعوا وحكم عليه لهم ، فلما دخل الدار قال للربيع: اذهب فإذا قام وخرج من عنده من الخصوم فادعه ، فقال: يا أمير المؤمنين ، ما دعا بك حتى تفرغ من أمر الناس جميعا ، فدعاه ، فلما دخل عليه سلم ، فقال: جزاك الله عن دينك وعن بنيك وعن حسبك وعن خليفتك أحسن الجزاء ، قال: قد أمرت لك بعشرة آلاف دينار فاقبضها ، فكانت عامة أموال محمد بن عمران الطلحي من تلك الصلة . ابن عمار أبو عمرو بن العلاء القاري:

            وقيل: اسمه زبان ، وقيل: سفيان ، والصحيح أن اسمه كنيته ، وكان أبوه على طراز الحجاج . وجده عمار حمل راية علي [بن أبي طالب] عليه السلام يوم صفين .

            ولد أبو عمرو بن العلاء في سنة سبعين في أيام عبد الملك بن مروان . ونشأ بالبصرة وقرأ على مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وشيبة بن نصاح ، ويحيى بن يعمر ، وابن كثير . وكان مقدما في دهره ، عالما بالقراءة . عارفا بوجوهها ، أعلم الناس بأمور العرب مع صدق وصحة سماع .

            وكان قد كتب عن العرب الفصحاء ما ملأ به بيتا إلى قريب من السقف ، ثم أنه تقرى فأحرقها كلها ، فلما رجع من بعد إلى علمه لم يكن عنده إلا ما قد حفظه ، وكانت عامة أخباره عن أعراب قد أدركوا الجاهلية .

            توفي بالكوفة في هذه السنة وهو ابن أربع وثمانين سنة . وفيها مات محمد بن عبد الله الشعيثي النضري ( بالنون ) .

            وفيها مات عثمان بن عطاء ، وجعفر بن برقان الجزري ، وأشعب الطامع ، وعمر بن إسحاق بن يسار أخو محمد بن إسحاق .

            وقرة بن خالد أبو خالد السدوسي البصري ، وهشام الدستوائي ، وهو هشام بن أبي عبد الله البصري .

            ( الشعيثي بضم الشين المعجمة ، وفي آخره ثاء مثلثة ) .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية