الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            رباح بن أبي يزيد اللخمي:  

            كان من أهل إفريقية ، وكان عالما زاهدا يضرب بعبادته المثل ، وهو أخو قحذم بن يزيد الذي كان عابدا بالإسكندرية . رؤبة بن العجاج  ، واسم العجاج عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر ، ويكنى أبا الجحاف وأبا العجاج:

            روى عن أبي الشعثاء ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو من رجاز الإسلام وفصحائهم المقدمين منهم ، وهو بدوي سكن البصرة ومدح بني أمية وبني العباس ، وتوفي في أيام المنصور ، وقد أخذ عنه وجوه أهل اللغة واحتجوا بشعره .

            والرؤبة اسم يقع على أشياء منها اللبن الخاثر ، وماء الفحل ، والحاجة والساعة تمضي من الليل وغير ذلك .

            وكان يونس النحوي يقول: ما رأيت عربيا قط أفصح من رؤبة ، ما كان معد بن عدنان أفصح منه ، وكان رؤبة يأكل الفأر فعوتب على ذلك ، فقال: هي أنظف من دواجنكم ودجاجكم اللاتي تأكلن العذرة ، وهل يأكل الفأر إلا نقي البر ولباب الطعام .

            ولما توفي قال الخليل بن أحمد: دفنا الشعر واللغة والفصاحة اليوم . حمزة بن حبيب الزيات  ، ويكنى أبا عمارة ، مولى لآل عكرمة بن ربعي التيمي:

            كان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان ، ويجلب من حلوان الجبن والجوز إلى الكوفة . وكان صاحب قرآن وفرائض ، صدوقا صاحب سنة . وقد أسند عن الأعمش .

            قال جرير بن عبد الحميد :

            مر بنا حمزة بن حبيب فاستسقى فأتيته بماء ، فقال: أنت ممن يحضرنا في القراءة؟ قلت: نعم ، قال: لا حاجة لي في مائك .

            وقال: أخبرنا خلف بن هشام البزاز ، قال: قال لي سليم بن عيسى :

            دخلت على حمزة بن حبيب الزيات فوجدته يمرغ خديه في الأرض ويبكي ، فقلت: أعيذك بالله ، فقال: رأيت البارحة في منامي كأن القيامة قد قامت ، وقد دعي بقراء القرآن ، فكنت فيمن حضر ، فسمعت قائلا يقول بكلام عذب: لا يدخل علي إلا من عمل بالقرآن ، فرجعت القهقرى ، فهتف باسمي: أين حمزة بن حبيب الزيات؟

            فقلت: لبيك داعي الله ، فبدرني ملك فقال قل: لبيك اللهم لبيك ، فقلت كما قال لي ، فأدخلني دارا فيها ضجيج القرآن ، فوقفت أرعد ، فسمعت قائلا يقول: لا بأس عليك اقرأ وارق ، فأدرت وجهي فإذا أنا بمنبر من در أبيض دفتاه من ياقوت أصفر ، مراقيه من زبرجد أخضر ، فقال لي: اقرأ سورة الأنعام . فقرأت وأنا لا أدري على من أقرأ حتى بلغت الستين آية ، فلما بلغت: وهو القاهر فوق عباده (6: 18) ، قال لي: يا حمزة ، ألست القاهر فوق عبادي؟ فقلت: بلى ، قال: صدقت ، اقرأ ، فقرأت حتى أتممتها ، فقال لي:

            اقرأ ، فقرأت الأعراف حتى بلغت آخرها وأومأت إلى الأرض بالسجود ، فقال لي:

            حسبك ما مضى ، لا تسجد يا حمزة ، من أقرأك هذه القراءة؟ فقلت: سليمان ، فقال:

            صدقت ، من أقرأ سليمان؟ قلت: يحيى ، قال: صدق يحيى ، على من قرأ يحيى؟

            فقلت: على أبي عبد الرحمن السلمي ، قال: صدق أبو عبد الرحمن السلمي ، من أقرأ أبا عبد الرحمن؟ فقلت: ابن عم نبيك علي ، فقال: صدق علي ، فمن أقرأ عليا؟ قلت:

            نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، قال: ومن أقرأ نبيي؟ قال: قلت: جبريل عليه السلام ، قال: ومن أقرأ جبريل؟ فسكت ، فقال لي: يا حمزة ، قل: أنت ، فقلت: ما أجسر أن أقول أنت ، فقال:

            قل: أنت ، فقلت: أنت ، فقال: صدقت يا حمزة ، وحق القرآن لأكرمن أهل القرآن لا سيما إذا عملوا بالقرآن ، يا حمزة ، القرآن كلامي وما أحب أحدا كحبي أهل القرآن ، ادن يا حمزة ، فدنوت فضمخني بالغالية وقال: ليس أفعل بك وحدك ، قد فعلت ذلك بنظرائك بمن فوقك ومن دونك ، ومن أقرأ القرآن كما أقرأته ، لم يزد بذلك غيري ، وما خبأت لك يا حمزة عندي أكثر ، فأعلم أصحابك مكاني من حبي لأهل القرآن وفعلي بهم ، فهم المصطفون الأخيار ، يا حمزة وعزتي وجلالي لا أعذب لسانا تلا القرآن بالنار ، ولا قلبا وعاه ، ولا أذنا سمعته ، ولا عينا نظرته ، فقلت: سبحانك سبحانك أي رب ، فقال: يا حمزة أين نظار المصاحف؟ فقلت: يا رب أفحفاظ هم؟ قال: لا ، ولكني أحفظه لهم حتى يوم القيامة ، فإذا لقوني رفعت لهم بكل آية درجة .

            أفتلومني أن أبكي وأتمرغ في التراب .

            توفي حمزة بحلوان في هذه السنة . وإليه تنسب المدود الطويلة في القراءة ، وقد تكلم فيه بسببها بعض الأئمة .

            وفيها مات عبد الله بن شوذب ، وعمر بن ذر . سعيد بن أبي عروبة  ، أبو النضر البصري ، واسم أبي عروبة مهران مولى لبني عدي بن يشكر :

            سمع النضر بن أنس وغيره ، وكان كثير الحديث إلا أنه اختلط في آخر عمره ، وتوفي في هذه السنة . عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، أبو خالد الإفريقي   :

            سمع أبا عبد الرحمن الحبلي وغيره . روى عنه سفيان الثوري ، وابن لهيعة . وكان أول مولود ولد بإفريقية في الإسلام .

            وولي القضاء بها لمروان بن محمد ، ووفد إلى المنصور في بيعة أهل إفريقية وشكى إليه جور العمال .

            قال: إسماعيل بن عياش ، قال:

            ظهر بإفريقية جور من السلطان ، فلما قام ولد العباس قدم عبد الرحمن بن زياد على أبي جعفر ، فشكى إليه العمال ببلده ، فأقام ببابه أشهرا ، ثم دخل عليه ، فقال: ما أقدمك؟ قال: ظهر الجور ببلدنا فجئت لأعلمك فإذا الجور يخرج من دارك ، فغضب أبو جعفر وهم به ثم أمر بإخراجه .

            وعن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، قال:

            أرسل أبو جعفر إلي ، فقدمت عليه فدخلت والربيع قائم على رأسه ، فاستدناني ثم قال: يا عبد الرحمن ، كيف ما مررت به من أعمالنا إلى أن وصلت إلينا؟ قلت: يا أمير المؤمنين ، رأيت أعمالا سيئة ، وظلما فاشيا ظننته أبعد البلاد منك ، فجعلت كلما دنوت منك كان أعظم للأمر . فنكس رأسه طويلا ثم رفعه إلي ، فقال: كيف لي بالرجال؟

            قلت: أفليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: الوالي بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها ، فإن كان برا أتوه ببرهم ، وإن كان فاجرا أتوه بفجورهم . قال: فأطرق طويلا ، فقال لي الربيع وأومأ إلي أن أخرج ، فخرجت ولم أعد إليه .

            قال ابن الجوزي رحمه الله : وقد قيل لأحمد بن صالح الحافظ: تحتج بحديث الإفريقي؟ قال: نعم ، هو ثقة ، وأنكر على من تكلم عليه .

            وقال يحيى بن معين: إنما أنكر عليه الأحاديث .

            قال ابن الجوزي: وفي هذه السنة توفي وقد جاز المائة . عامر بن إسماعيل المسلي:

            توفي بمدينة السلام ، وصلى عليه المنصور ، ودفن في مقابر قريش . قباث بن رزين بن حميد بن صالح ، أبو هاشم   :

            روى عن علي بن رباح ، وعكرمة . وروى عنه الليث بن سعد ، وابن لهيعة ، وابن المبارك ، وابن وهب .

            وكان إمام مسجد مصر ، يقرئ القرآن في جامعها .

            توفي في هذه السنة . الهيثم بن معاوية:  

            ولي للمنصور البصرة وغيرها . وتوفي في هذه السنة فجأة وهو على بطن جارية له ، وصلى عليه المنصور ، ودفن في مقابر قريش .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية