ذكر
وبويع لابنه موسى الهادي في اليوم الذي مات فيه المهدي ، وهو مقيم بجرجان ، يحارب أهل طبرستان ، ولما توفي المهدي كان الرشيد معه بماسبذان ، فأتاه الموالي والقواد ، وقالوا له : إن علم الجند بوفاة المهدي لم تأمن الشغب ، والرأي أن تنادي فيهم بالرجوع ، حتى تواريه ببغداذ . خلافة الهادي
فقال هارون : ادعو إلي أبي يحيى بن خالد ، وكان يحيى يتولى ما كان إلى الرشيد من أعمال المغرب ، من الأنبار إلى إفريقية ، فاستدعي يحيى إلى الرشيد ، فقال : ما تقول فيما رأى هؤلاء ؟ وأخبره الخبر . قال : لا أرى ذلك ، لأن هذا لا يخفى ، ولا آمن إذا علم الجند ، أن يتعلقوا بمحمله ، ويقولوا : لا نخلي حتى نعطى لثلاث سنين وأكثر ، ويتحكموا ويشتطوا ولكني أرى أن يوارى ، رحمه الله ، هاهنا وتوجه نصيرا إلى أمير المؤمنين الهادي بالخاتم والقضيب ، والتعزية ، والتهنئة ، فإن الناس لا ينكرون خروجه ، إذ هو على بريد الناحية ، وأن تأمر لمن تبعك من الجند بجوائز مائتين ، وتنادي فيهم بالرجوع فلا تكون لهم همة سوى أهلهم .
ففعل ذلك ، فلما قبض الجند الدراهم تنادوا : بغداذ بغداذ ! وأسرعوا إليها ، فلما بلغوها وعلموا خبر المهدي أتوا باب الربيع ، وأحرقوه ، وأخرجوا من كان في الحبوس ، وطالبوا بالأرزاق .
فلما قدم الرشيد بغداذ أرسلت الخيزران إلى ربيع وإلى يحيى بن خالد تستدعيهما لتشاورهما في ذلك ، فأما الربيع فدخل عليها ، وأما يحيى فامتنع لما يعلم من غيرة الهادي ، وجمع الأموال حتى أعطى الجند لسنتين فسكتوا .
وكتب الهادي إلى الربيع كتابا يتهدده بالقتل ، وكتب إلى يحيى يشكره ، ويأمره بأن يقوم بأمر الرشيد .
وكان الربيع يود يحيى ويثق به . فاستشاره فيما يفعل خوفا من الهادي فأشار عليه بأن يرسل ولده الفضل إلى طريق الهادي بالهدايا والتحف ، ويعتذر ، ففعل ، ورضي الهادي عنه .
وكان الربيع قد أوصى إلى يحيى بن خالد . وأخذت البيعة للهادي ببغداذ وكتب الرشيد إلى الآفاق بوفاة المهدي ، وأخذ البيعة للهادي ، وسار نصير الوصيف إلى الهادي بجرجان ، فعلم بوفاة المهدي والبيعة له ، فنادى بالرحيل وركب على البريد مجدا ، فبلغ في عشرين يوما ، ولما قدمها استوزر الربيع .