الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            جوهرة العابدة البراثية جوهرة العابدة البراثية   .

            نزلت مع زوجها أبي عبد الله البراثي ، وكانت جارية لبعض الملوك فعتقت وتركت الدنيا ، وتزوجت أبا عبد الله ، وتعبدت معه ، وكانت تحرضه على العبادة ، وتوقظه من الليل وتقول: يا أبا عبد الله كروان برفت ، معناه: قد سارت القافلة .

            عن حكيم بن جعفر قال:

            كنا نأتي أبا عبد الله بن أبي جعفر الزاهد ، وكان يسكن براثا ، وكانت له امرأة متعبدة يقال لها جوهرة ، وكان يجلس على جلة خوص بحرانية ، وجوهرة جالسة حذاءه على جلة أخرى ، فأتيناه يوما وهو جالس على الأرض ليست الجلة تحته ، فقلنا له يا أبا عبد الله ، ما فعلت الجلة التي كنت تقعد عليها؟ قال: أرى جوهرة أيقظتني البارحة ، فقالت: أليس يقال في الحديث: "إن الأرض تقول لابن آدم تجعل بيني وبينك سترا وأنت غدا في بطني" ؟ قال: قلت: نعم ، قالت: هذه الجلال لا حاجة لنا فيها . فقمت والله فأخرجتها .

            وقد روينا عن أبي شعيب الزاهد البراثي أن جارية من بنات الكبار من أبناء الدنيا نظرت إلى زهده ، فتزوجت به وتركت الدنيا وجرت لها معه مثل هذه القصة في فرش من خوص .

            الربيع بن يونس بن محمد بن يونس بن أبي فروة الربيع بن يونس بن محمد بن يونس بن أبي فروة - واسم أبي فروة: كيسان   - .

            مولى أبي جعفر المنصور وحاجبه ، ووزر له بعد أبي أيوب المرزباني .

            عن الزبير قال: حدثني عمرو بن عثمان قال: دخل المنصور أمير المؤمنين قصرا فرأى في جداره مكتوبا:


            وما لي لا أبكي بعين حزينة وقد قربت للظاعنين حمول

            وتحته مكتوب: إيه إيه . قال أبو عمر: ويروى آه آه . فقال المنصور : أي شيء أه أه؟ فقال له الربيع وهو إذ ذاك تحت يدي أبي الخصيب الحاجب: يا أمير المؤمنين ، إنه لما كتب البيت أحب أن يخبر أنه يبكي ، فقال قائله: الله ، ما كان أظرفه ، فكان هذا أول ما ارتفع به الربيع .

            وقد روى أبو الفرج الأصبهاني: أن الربيع قال: كنت في خمسين وصيفا أهدوا للمنصور ، ففرقنا في خدمته ، فصرت إلى ياسر صاحب وضوئه ، فكنت أراه يعطيه الإبريق في المستراح ، ويقف مكانه لا يبرح . فقال لي يوما: كن مكاني في هذا ، فكنت أعطيه الإبريق ، وأخرج مبادرا ، فإذا سمعت حركته بادرت إليه فقال لي: ما أخفك على قلبي يا غلام ، ثم دخل قصرا فرأى حيطانه مملوءة من الشعر وإذا بخط منفرد فقرأه فإذا هو:


            وما لي لا أبكي وأندب ناقتي     إذا صدر الرعيان نحو المناهل
            وكنت إذا ما اشتد شوقي رحلتها     فسارت لمحزون طويل البلابل

            وتحته مكتوب: أه أه ، فلم يدر ما هو ، وفطنت له ، فقلت: يا أمير المؤمنين قال الشعر ، ثم تأوه فكتب تأوهه بنفسه فقال لي: ما لك قاتلك الله ، قد أعتقتك ووليتك مكان ياسر .

            قال أبو بكر الصولي: لم يزل الربيع وزير المنصور حتى توفي المنصور بمكة ، فأخذ الربيع للمهدي البيعة ، فشكر المهدي له ذلك ، وجعله حاجبه ، ولم يستوزره .

            وعن محمد بن عمر بن سالم الحافظ قال: ذكروا أنه لم ير في الحجابة أعرق من الربيع ، حاجب أبي جعفر ومولاه ، ثم صار وزيره ، ثم حجب للمهدي ، ومن ولده الفضل [بن الربيع] حجب هارون ، ومحمد الأمين ، وابنه عباس بن الفضل حجب الأمين ، فعباس حاجب ابن حاجب ابن حاجب .

            وقد مدحهم أبو نواس في قوله:


            سار الملوك ثلاثة ما منهم     إن حصلوا إلا أعز قريع
            عباس عباس إذا اخترم الورى     والفضل فضل والربيع ربيع

            [توفي الربيع في هذه السنة] .

            فتح بن محمد بن وشاح ، أبو محمد الأزدي الموصلي فتح بن محمد بن وشاح ، أبو محمد الأزدي الموصلي .

            ذكر المعافى بن عمران أنه لم يكن أعقل منه .

            [قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى] : وليس هذا بفتح الموصلي المكنى بأبي نصر ، فإن أبا نصر مات في سنة عشرين ومائتين وابن وشاح مات سنة سبعين ومائة وأكثر الحكايات عن أبي نصر لا عن أبي محمد .

            معاوية بن عبيد الله بن يسار معاوية بن عبيد الله بن يسار ، أبو عبيد الله الأشعري  مولاهم من أهل طبرية .

            ولد سنة مائة ، وكتب الحديث ، وسمع أبا إسحاق السبيعي ، ومنصور بن المعتمر ونحوهما ، وكان خيرا فاضلا عالما ، وكان يكتب للمهدي قبل الخلافة رسمه له المنصور ، وكان جميع أمر المهدي إليه ، فلا يخالفه في شيء ، ثم وزر له .

            عن عبيد الله بن سليمان بن أبي عبيد الله قال: أبلى أبو عبيد الله مصليين ، وأسرع في الثالث - أو ثلاثة وأسرع في الرابع - موضع الركبتين والوجه واليدين لكثرة صلاته ، [قال:] وكان له في كل يوم كر دقيق يتصدق به على المساكين ، وكان يلي ذلك مولى له ، فلما اشتد الغلاء أتاه فقال: قد غلا السعر ، فلو نقصنا من هذا؟ فقال: أنت شيطان ، أو رسول الشيطان ، صيره كرين . فكان له في كل يوم بعد ذلك كران يخبزان للمساكين قال: وأخبرت أن الجسور يوم مات امتلأت فلم يعبر عليها إلا من تبع جنازته من مواليه واليتامى والأرامل والمساكين ، ودفن في مقابر قريش ببغداد وصلى عليه علي بن المهدي .

            توفي في هذه السنة ، وقيل: في السنة التي قبلها . الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم أبو عبد الرحمن الفراهيدي الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم أبو عبد الرحمن الفراهيدي   - ويقال الفرهودي - الأزدي اليحمدي ، شيخ النحاة ، وعنه أخذ سيبويه والنضر بن شميل ، وغير واحد من أكابرهم ، وهو الذي اخترع علم العروض ، قسمه إلى خمس دوائر ، وفرعه إلى خمسة عشر بحرا ، وزاد الأخفش فيه بحرا آخر ، وهو الخبب ، وقد قال بعض الشعراء :


            قد كان شعر الورى صحيحا     من قبل أن يخلق الخليل

            وقد كان له معرفة بعلم النغم ، وله فيه تصنيف أيضا ، وله كتاب " العين " في اللغة ، ابتدأه وأكمله النضر بن شميل وأضرابه من أصحابه ، كمؤرج السدوسي ، ونصر بن علي الجهضمي . فلم يناسبوا ما وضعه الخليل ، رحمه الله . وقد وضع ابن درستويه كتابا بين فيه ما وقع لهم من الخلل ، فأفاد .

            وقد كان الخليل رجلا صالحا عاقلا كاملا حليما وقورا ، وكان متقللا من الدنيا ، صبورا على العيش الخشن الضيق ، وكان يقول : لا يجاوز همي ما وراء بابي . وكان ظريفا حسن الخلق .

            وذكر أنه اشتغل عليه رجل في العروض ، قال : وكان بعيد الفهم ، قال : فقلت له يوما : كيف تقطع هذا البيت؟


            إذا لم تستطع شيئا فدعه     وجاوزه إلى ما تستطيع

            فشرع معي في تقطيعه على قدر معرفته ، ثم إنه نهض من عندي فلم يعد إلي ، وكأنه فهم ما أشرت إليه . ويقال : إنه لم يسم أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأحمد سوى أبيه . روي ذلك عن أحمد بن أبي خيثمة . والله أعلم .

            ولد الخليل سنة مائة من الهجرة ، ومات بالبصرة سنة سبعين ومائة على المشهور ، وقيل : سنة ستين ، وزعم ابن الجوزي في كتابه " شذور العقود " أنه توفي سنة ثلاثين ومائة ، وهذا غريب جدا . والمشهور الأول . والله أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية