الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            وفي سنة ثلاث وسبعين ومائة

            توفي محمد بن سليمان بن علي بالبصرة  ، فأرسل الرشيد من قبض تركته ، وكانت عظيمة من المال ، والمتاع ، والدواب ، فحملوا منه ما يصلح للخلافة ، وتركوا ما لا يصلح .

            وكان من جملة ما أخذوا ستون ألف ألف ، فلما قدموا بذلك عليه أطلق منه للندماء والمغنين شيئا كثيرا ، ورفع الباقي إلى خزانته .

            وكان سبب أخذ الرشيد تركته أن أخاه جعفر بن سليمان كان يسعى به إلى الرشيد حسدا له ، ويقول : إنه لا مال له ، ولا ضيعة إلا وقد أخذ أكثر من ثمنها ليتقوى به على ما تحدث به نفسه ، يعني الخلافة .

            وإن أمواله حل طلق لأمير المؤمنين ، وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه ، فلما توفي محمد بن سليمان ( أخرجت كتبه إلى جعفر ) أخيه ، واحتج عليه بها ، ولم يكن له أخ لأبيه وأمه غير جعفر ، فأقر بها ، فلهذا قبضت أمواله . ترجمته وهو محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، وأمه أم حسن بنت جعفر بن حسن بن حسن بن علي ، وكان من رجالات قريش وشجعانهم . جمع له المنصور بين البصرة والكوفة ، وزوجه المهدي ابنته العباسة ، وكان له من الأموال شيء كثير ، وكان دخله كل يوم مائة ألف . وكان له خاتم من ياقوت أحمر لم ير مثله .

            فسقط ليلة من يده [ليلة بنائه بالعباسة] فجعلوا يطلبونه فلم يجدوه ، فقال: أطفئوا الشمع ففعلوا فرأوه ، وكان له خمسون ألف مولى منهم عشرون ألف عتاقة ، وكانت به رطوبة فكان يتداوى بالمسك يستعمل منه كل يوم عشرين مثقالا ويتركه في عكن بطنه روى الحديث عن أبيه ، عن جده الأكبر - وهو ابن عباس - حديثا مرفوعا في مسح رأس اليتيم إلى مقدم رأسه ، ومسح رأس من له أب إلى مؤخره .

            وقد وفد على الرشيد ، فهنأه بالخلافة ، فأكرمه وعظمه ، وزاده في عمله شيئا كثيرا . ولما أراد الخروج خرج معه الرشيد يشيعه إلى كلواذى .

            توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة عن إحدى وخمسين سنة .

            وقد أرسل الرشيد من اصطفى من ماله الصامت ، فوجد له من الذهب ثلاثة آلاف ألف دينار ، ومن الدراهم ستين ألف ألف ، خارجا عن الأملاك والجواهر .

            وعن الحسين بن سلام مولى آل سليمان بن علي] قال: لما احتضر محمد بن سليمان بن علي كان رأسه في حجر أخيه جعفر بن سليمان ، فقال جعفر: وانقطاع ظهراه ، فقال محمد: وانقطاع ظهر من يلقى الجبار غدا [والله] ليت أمك لم تلدني ، ليتني كنت حمالا ، وأني لم أكن فيما كنت فيه ، وولى الرشيد مكانه عمه سليمان بن أبي جعفر .

            وحكى ابن جرير أن قوما قالوا: كانت وفاة محمد بن سليمان والخيزران في يوم واحد .

            وعن محمد بن يزيد قال: بلغني أن جارية من جواري محمد بن سليمان وقفت على قبره فقالت:


            أمسى التراب لمن هويت مبيتا ألق التراب فقل له حييتا     إنا نحبك يا تراب وما بنا
            إلا كرامة من عليه حثيتا

            التالي السابق


            الخدمات العلمية