عقد الرشيد لابنه محمد من بعده ولاية العهد ، فأخذ له بيعة القواد والجند ببغداد ، وسماه : الأمين ، وله يومئذ خمس سنين ، فقدمه على المأمون ، والمأمون أكبر منه ، لأن أمه زبيدة .
فقال في ذلك سلم الخاسر :
قد وفق الله الخليفة إذ بنى بيت الخلافة للهجان الأزهر فهو الخليفة عن أبيه وجده
شهدا عليه بمنظر وبمخبر قد بايع الثقلان في مهد الهدى
لمحمد ابن زبيدة ابنة جعفر
قال الصولي : ثم جعل يرى فضل المأمون ، وعقله فيندم على تقديمه محمدا ، فقال :
لقد بان وجه الرأي لي غير أنني غلبت على الأمر الذي كان أحزما
فكيف يرد الذر في الضرع بعد ما توزع حتى صار نهبا مقسما
أخاف التواء الأمر بعد انصداعه وأن ينقض الأمر الذي كان أبرما
وكان السبب في التقدم لمحمد : أن جماعة من بني العباس مدوا أعناقهم إلى الخلافة بعد الرشيد ، إذ لم يكن له ولي عهد ، فمضى عيسى بن جعفر إلى الفضل بن يحيى ، فقال له : أنشدك الله لما عملت في البيعة لابن أختي - يعني محمد بن زبيدة - فإنه ولدك ، وخلافته لك . فوعده أن يفعل ، فلما صار الفضل إلى خراسان فرق فيهم أموالا وأعطى [الجند ] عطيات متتابعة ، ثم أظهر البيعة لمحمد ، فبايع الناس له ، وكتب إلى الآفاق فبويع له ، فأنكر قوم البيعة لصغر سنه . وحكى [أبو بكر ] الصولي أن الرشيد بايع في سنة ست وسبعين [ومائة ] لابنه عبد الله بالعهد بعد الأمين ، وسماه : المأمون ، وولاه المشرق كله ، وكتب بينهما كتابا علقه في المسجد الحرام .