. ولاية عمر بن مهران مصر
وفي سنة ست وسبعين ومائة عزل الرشيد موسى بن عيسى عن مصر ، ورد أمرها إلى جعفر بن يحيى بن خالد ، فاستعمل عليها جعفر عمر بن مهران .
وكان سبب عزله أن الرشيد بلغه أن موسى عازم على الخلع ، فقال : والله لا أعزله إلا بأخس من على بابي ! فأمر جعفرا ، فأحضر عمر بن مهران ، وكان أحول ، مشوه الخلق ، وكان لباسه خسيسا ، وكان يردف غلامه خلفه ، فلما قال له الرشيد : أتسير إلى مصر أميرا ؟ قال : أتولاها على شرائط ، إحداها أن يكون إذني إلى نفسي ، إذا أصلحت البلاد انصرفت ، فأجابه إلى ذلك .
فسار ، فلما وصل إليها أتى دار موسى فجلس في أخريات الناس ، فلما تفرقوا قال : ألك حاجة ؟ قال : نعم ! ثم دفع إليه الكتب ، فلما قرأها قال : هل يقدم أبو حفص ، أبقاه الله ؟ قال : أنا أبو حفص ، قال موسى : لعن الله فرعون حيث قال : ( أليس لي ملك مصر ) ، ثم سلم له العمل . وارتحل عنها ، وأقبل عمر بن مهران على عمله ، فكان لا يقبل شيئا من الهدايا إلا ما كان ذهبا أو فضة أو قماشا ، ويكتب على ذلك اسم مهديه ، ثم إنه طالب بالخراج وألح عليهم في ذلك ، فشرع بعضهم في مماطلته ، فأقسم لا يماطله أحد فيقبض منه شيئا ، وإنما يبعثه إلى بغداد ويزن خراجه بها ، ويأتي بورقة القبض ، وفعل ذلك ببعض الناس فتأدب بقيتهم ، ثم جباهم القسط الثاني ، فلما كان الثالث عجز كثير منهم عن الأداء ، فجعل يستحضر ما كانوا أهدوا إليه; فإن كان نقدا أداه عنهم ، وإن كان برا باعه واعتد به عنهم ، وقال : إني إنما ادخرت هذا لكم إلى وقت حاجتكم . ثم أكمل استخراج جميع الخراج بديار مصر ، ولم يفعل ذلك أحد قبله ، ثم انصرف عنها; لأنه كان قد شرط على الرشيد أنه إذا مهد البلاد وجبى الخراج ، فذاك إذنه في الانصراف . ولم يكن معه بالديار المصرية سوى مولاه أبي درة وهو حاجبه ، وهو منفذ أموره .