الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ولاية عمر بن مهران مصر   .

            وفي سنة ست وسبعين ومائة عزل الرشيد موسى بن عيسى عن مصر ، ورد أمرها إلى جعفر بن يحيى بن خالد ، فاستعمل عليها جعفر عمر بن مهران .

            وكان سبب عزله أن الرشيد بلغه أن موسى عازم على الخلع ، فقال : والله لا أعزله إلا بأخس من على بابي ! فأمر جعفرا ، فأحضر عمر بن مهران ، وكان أحول ، مشوه الخلق ، وكان لباسه خسيسا ، وكان يردف غلامه خلفه ، فلما قال له الرشيد : أتسير إلى مصر أميرا ؟ قال : أتولاها على شرائط ، إحداها أن يكون إذني إلى نفسي ، إذا أصلحت البلاد انصرفت ، فأجابه إلى ذلك .

            فسار ، فلما وصل إليها أتى دار موسى فجلس في أخريات الناس ، فلما تفرقوا قال : ألك حاجة ؟ قال : نعم ! ثم دفع إليه الكتب ، فلما قرأها قال : هل يقدم أبو حفص ، أبقاه الله ؟ قال : أنا أبو حفص ، قال موسى : لعن الله فرعون حيث قال : ( أليس لي ملك مصر ) ، ثم سلم له العمل . وارتحل عنها ، وأقبل عمر بن مهران على عمله ، فكان لا يقبل شيئا من الهدايا إلا ما كان ذهبا أو فضة أو قماشا ، ويكتب على ذلك اسم مهديه ، ثم إنه طالب بالخراج وألح عليهم في ذلك ، فشرع بعضهم في مماطلته ، فأقسم لا يماطله أحد فيقبض منه شيئا ، وإنما يبعثه إلى بغداد ويزن خراجه بها ، ويأتي بورقة القبض ، وفعل ذلك ببعض الناس فتأدب بقيتهم ، ثم جباهم القسط الثاني ، فلما كان الثالث عجز كثير منهم عن الأداء ، فجعل يستحضر ما كانوا أهدوا إليه; فإن كان نقدا أداه عنهم ، وإن كان برا باعه واعتد به عنهم ، وقال : إني إنما ادخرت هذا لكم إلى وقت حاجتكم . ثم أكمل استخراج جميع الخراج بديار مصر ، ولم يفعل ذلك أحد قبله ، ثم انصرف عنها; لأنه كان قد شرط على الرشيد أنه إذا مهد البلاد وجبى الخراج ، فذاك إذنه في الانصراف . ولم يكن معه بالديار المصرية سوى مولاه أبي درة وهو حاجبه ، وهو منفذ أموره .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية