الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            من توفي في هذه السنة من الأكابر  إبراهيم بن صالح بن عبد الله بن عباس إبراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس ، كان أميرا على مصر ، توفي في شعبان ، حكى عنه عبد الله بن وهب .

            إبراهيم بن هرمة وإبراهيم بن هرمة ،  الشاعر ، وهو إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة أبو إسحاق الفهري المدني ، شاعر مفلق ، وفد على المنصور بغداد في وفد من أهل المدينة حين استوفدهم إليه ، فقدموا عليه ، فجلسوا إلى ستر دون المنصور ، يرى الناس من ورائه ولا يرونه ، وأبو الخصيب الحاجب واقف يقول : يا أمير المؤمنين ، هذا فلان الخطيب . فيأمره فيخطب ، ويقول : هذا فلان الشاعر . فيستنشده ، حتى كان من آخرهم ابن هرمة هذا ، قال : فسمعته يقول : لا مرحبا ولا أهلا ، ولا أنعم الله به عينا . قال : فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ذهبت والله نفسي ، ثم رجعت إلي نفسي فقلت : يا نفس ، هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت . ثم استنشدني ، فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها :


            سرى ثوبه عنك الصبا المتخايل وقرب للبين الخليط المزايل

            حتى انتهيت إلى قولي :


            فأما الذي أمنته يأمن الردى     وأما الذي حاولت بالثكل ثاكل

            قال : فأمر برفع الحجاب ، فإذا وجهه كأنه فلقة قمر ، فاستنشدني بقية القصيدة ، وأمرني بالقرب إليه والجلوس بين يديه ، ثم قال : ويحك يا إبراهيم ! لولا ذنوب بلغتني عنك لفضلتك على أصحابك ، فأقر علي بذنوبك أعفها عنك . فقلت : هذا رجل فقيه عالم ، وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب علي ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقر به . فتناول المخصرة ، فضربني بها ضربتين فقلت :


            أصبر من ذي ضاغط عركرك     ألقى بواني زوره للمبرك



            ثم ثنى فضربني ، فقلت :


            أصبر من عود بجنبيه جلب     قد أثر البطان فيه والحقب



            فقال : قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم ، وألحقتك بنظرائك من طريح بن إسماعيل ، ورؤبة بن العجاج ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنك . قلت : نعم ، وأنت في حل [وسعة ] من دمي إن بلغك أمر تكرهه . قال ابن هرمة : فأتيت المدينة . فأتاني رجل من الطالبيين ، فسلم علي فقلت : تنح عني لا تشيط بدمي . وكان من جملة ما ينقمه المنصور عليه قوله :


            ومهما ألام على حبهم     فإني أحب بني فاطمه
            بني بنت من جاء بالمحكمات     وبالدين والسنة القائمه
            فلست أبالي بحبي لهم     سواهم من النعم السائمه

            فقيل له في دولة بني العباس : ألست القائل كذا . وأنشده هذه الأبيات ، فقال :

            أعض الله قائلها بهن أمه ، فقال له من يثق به : ألست قائلها ؟ قال : بلى ، ولكن أعض بهن أمي خير من أن أقتل .

            وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب ] ابن أخي الأصمعي ، عن عمه قال : قال لي رجل من أهل الشام : قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة ، فإذا بنية له صغيرة تلعب بالطين ، فقلت لها : ما فعل أبوك ؟ قالت : وفد إلى بعض الأجواد ، فما لنا به علم منذ مدة . فقلت : انحري لنا ناقة ، فإنا أضيافك . قالت : والله ما عندنا ناقة . قلت : فشاة . قالت : والله ما عندنا . قلت : فدجاجة ، قالت : والله ما عندنا .

            قلت : فأعطينا بيضة . قالت : والله ما عندنا . قلت : فباطل ما قال أبوك :


            كم ناقة قد وجأت منحرها     بمستهل الشؤبوب أو جمل



            قالت : فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء . قال الأخفش : قال لنا ثعلب : قال الأصمعي : ختم الشعراء بابن هرمة ، وهو آخر الحجج .

            ذكر وفاته في هذه السنة أبو الفرج ابن الجوزي في " المنتظم " .

            والجراح بن مليح ، والد وكيع بن الجراح . وسعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جميل أبو عبد الله المديني ، ولي قضاء بغداد سبع عشرة سنة بعسكر المهدي ، وثقه ابن معين وغيره .

            عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، قدم قاضيا بالعراق فمات في هذا العام .

            المسيب بن زهير بن عمرو أبو مسلم الضبي المسيب بن زهير بن عمرو أبو مسلم الضبي ، كان والي الشرطة ببغداد  في أيام المنصور والمهدي والرشيد ، وولي خراسان مرة للمهدي . وكانت وفاته في هذه السنة عن ست وسبعين سنة .

            سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جميل ، أبو عبد الله المديني سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جميل ، أبو عبد الله المديني   .

            ولي القضاء ببغداد في عسكر المهدي ، وزمن هارون الرشيد ، وولي سبع عشرة سنة ، وحدث عن هشام بن عروة ، وسهل بن أبي صالح . قال يحيى : هو ثقة .

            توفي ببغداد في هذه السنة .

            صالح بن بشير المري صالح بن بشير ، أبو بشر القارئ ، المعروف بالمري .  

            من أهل البصرة ، كان مملوكا لامرأة من بني مرة بن الحارث ، حدث عن الحسن ، وابن سيرين ، وبكر بن عبد الله ، وثابت ، روى عنه : عفان ، وغيره . وكان عبدا صالحا ، كثير الخوف ، شديد البكاء ، وكان يذكر ويعظ ، فحضر مجلسه سفيان الثوري فقال : هذا نذير قوم .

            [قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: ] وقد ضعفه بعض المحدثين ، والذي نراه أنه كان يخلط فيما يروي ، ولا يتعمد الخطأ .

            عن [ابن ] الغلابي قال : حدثنا شيخ من الكتاب : أن صالحا المري [لما ] أرسل إليه المهدي ، قدم عليه ، فلما دخل عليه ودنا بحماره من بساط المهدي أمر ابنيه - وهما وليا عهده - موسى وهارون ، فقال : قوما فأنزلا عمكما . فلما أقبلا إليه أقبل صالح على نفسه ، فقال : يا صالح [لقد ] خبت وخسرت ، إن كنت إنما عملت لهذا اليوم .

            عن أبو نعيم بن أعين قال : قال صالح المري : دخلت على المهدي فقلت : يا أمير المؤمنين ، احمل لله ما أكلمك به اليوم ، فإن أولى الناس بالله أحملهم لغلظة النصيحة فيه ، وجدير بمن له [قرابة ] برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرث أخلاقه ، ويأتم بهداه وقد ورثك الله من فهم العلم ميراثا قطع به عذرك ، اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصم من خالفه في أمته ، ومن كان محمد خصمه كان الله خصمه ، فاعتد لمخاصمة الله ، ومخاصمة رسوله حججا تضمن لك النجاة ، أو استسلم للهلكة ، واعلم أن أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعيه إلى الله قربة ، وإن أثبت الناس قدما يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فمثلك لا يكاثر بتجريد المعصية ، ولكن تتمثل لك الإساءة إحسانا ، ويشهد لك عليها خونة العلماء ، وبهذه الحبالة تصيدت الدنيا نظراءك ، فأحسن الحلم فقد أحسنت إليك الأداء قال : فبكى المهدي .

            قال أبو همام : فأخبرني بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوبا في دواوين المهدي .

            الفرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم ، أبو فضالة الحمصي التنوخي الفرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم ، أبو فضالة الحمصي التنوخي   [من أنفسهم ] .

            سكن بغداد ، وكان على بيت المال بها في [أول ] خلافة الرشيد . حدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهشام بن عروة ، وغيرهما . روى عنه : علي بن الجعد وسريج بن يونس .

            وذكر رجل من ولده أنه ولد في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان في غزوة مسلمة الطوانة جاء الخبر بولادته [يوم فتحت الطوانة ، فأعلم أبوه مسلمة ] فقال مسلمة : ما سميته ؟ قال : سميته الفرج لما فرج الله عنا في هذا اليوم بالفتح . فقال مسلمة [لفضالة : ] أصبت وكان أصاب المسلمين على الطوانة شدة شديدة . وذلك في سنة ثمان وثمانين .

            عن علي بن محمد بن الحسن القزويني قال : سمعت بعض أصحابنا يقول : أقبل المنصور يوما راكبا والفرج بن فضالة جالس عند باب الذهب ، فقام الناس ، فدخل من الباب ولم يقم له الفرج فاستشاط غضبا ، ودعا به فقال : ما منعك من القيام حين رأيتني ؟ قال : خفت أن يسألني الله عنه لم فعلت ، ويسألك لم رضيت ، وقد كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فبكى المنصور وقربه وقضى حوائجه .

            توفي الفرج في هذه السنة وقيل : في سنة سبع وسبعين ، وقد وثقه بعض المحدثين وضعفه بعضهم .

            الوضاح أبو عوانة الوضاح أبو عوانة ، مولى يزيد بن عطاء الواسطي   .

            وقال البخاري : يزيد بن عطاء ، ويزيد مولى [بني ] يشكر ، وكان من سبي جرجان ، رأى الحسن ، وابن سيرين ، وسمع من محمد بن المنكدر ، وقتادة ، ومنصور بن المعتمر والأعمش ، روى عنه : شعبة ، وابن علية ، وابن مهدي ، وكان أمينا ثبتا [ثقة ] صدوقا .

            عن أحمد بن محمد بن أبان قال : سمعت أبي يقول :

            اشترى عطاء بن يزيد أبا عوانة ليكون مع أبيه يزيد ، وكان لأبي عوانة صديق قاص ، وكان أبو عوانة يحسن إليه ، فقال القاص : ما أدري بأي شيء أكافئه ، فكان بعد ذلك لا يجلس مجلسا إلا قال لمن حضره : أدعو الله لعطاء البزار ، فإنه أعتق أبا عوانة . فكان قل مجلس إلا ذهب إلى عطاء من يشكره ، فلما كثر عليه ذلك أعتقه .

            توفي أبو عوانة في هذه السنة . وقيل : في سنة خمس ، وله اثنتان وثلاثون سنة .

            وفيها توفي نعيم بن ميسرة النحوي الكوفي  ، وأبو الأحوص   .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية