الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفي سنة ثمان وسبعين ومائة سار الفضل بن يحيى إلى خراسان ، فأحسن السيرة بها ، وبنى فيها الربط والمساجد ، وغزا ما وراء النهر ، واتخذ بها جندا من العجم سماهم العباسية ، وجعل ولاءهم لهم وكانوا نحوا من خمسمائة ألف ، وبعث منهم نحوا من عشرين ألفا إلى بغداد فكانوا يعرفون بها بالكرنبية .

            وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة :


            ما الفضل إلا شهاب لا أفول له عند الحروب إذا ما تأفل الشهب     حام على ملك قوم عز سهمهم
            من الوراثة في أيديهم سبب     أمست يد لبني ساقي الحجيج بها
            كتائب ما لها في غيرهم أرب     كتائب لبني العباس قد عرفت
            ما ألف الفضل منها العجم والعرب     أثبت خمس مئين في عدادهم
            من الألوف التي أحصت لها الكتب     يقارعون عن القوم الذين هم
            أولى بأحمد في الفرقان إن نسبوا     إن الجواد ابن يحيى الفضل لا ورق
            يبقى على جود كفيه ولا ذهب     ما مر يوم له مذ شد مئزره
            إلا تمول أقوام بما يهب     كم غاية في الندى والبأس أحرزها
            للطالبين مداها دونها تعب     يعطي اللهى حين لا يعطي الجواد ولا
            ينبو إذا سلت الهندية القضب     ولا الرضا والرضا لله غايته
            إلى سوى الحق يدعوه ولا الغضب     قد فاض عرفك حتى ما يعادله
            غيث مغيث ولا بحر له حدب

            وكان قد أنشده قبل خروجه إلى خراسان :


            ألم تر أن الجود من لدن آدم     تحدر حتى صار في راحة الفضل
            إذا ما أبو العباس راحت سماؤه     فيا لك من هطل ويا لك من وبل
            إذا أم طفل راعها جوع طفلها     دعته بإسم الفضل فاستطعم الطفل
            ليحيى بك الإسلام إنك عزه     وإنك من قوم صغيرهم كهل

            قال : فأمر له بمائة ألف درهم . ذكر ذلك كله أبو جعفر بن جرير .

            وقال سلم الخاسر فيهم أيضا :


            وكيف تخاف من بؤس بدار     تكنفها البرامكة البحور
            وقوم منهم الفضل بن يحيى     نفير ما يوازنه نفير
            له يومان يوم ندى وبأس     كأن الدهر بينهما أسير
            إذا ما البرمكي غدا ابن عشر     فهمته أمير أو وزير

            وقد اتفق للفضل بن يحيى في هذه السفرة إلى خراسان أشياء غريبة ، وفتح بلادا كثيرة ، منها كابل وما وراء النهر ، وقهر ملك الترك هناك وكان ممتنعا ، وأطلق أموالا كثيرة جدا ، ثم قفل راجعا إلى بغداد ، فلما اقترب منها خرج الرشيد ووجوه الناس إليه ، وقدم عليه الشعراء والخطباء وأكابر الناس ، فجعل يطلق الألف ألف ، والخمسمائة ألف ونحوها ، فصرف من الأموال في ذلك شيئا كثيرا جدا لا يمكن حصره إلا بكلفة عظيمة ، وقد دخل عليه بعض الشعراء ، والبدر موضوعة مختومة بين يديه ، وهي تفرق على الناس ، فقال :


            كفى الله بالفضل بن يحيى بن خالد     وجود يديه بخل كل بخيل

            فأمر له بمال جزيل .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية