فلما رجع من غزوته وصار بالرقة نقض نقفور العهد ، وكان البرد شديدا ، فأمن رجعة الرشيد إليه ، فلما جاء الخبر بنقضه ما جسر أحد على إخبار الرشيد ، خوفا على أنفسهم من العود في مثل ذلك البرد ، وإشفاقا من الرشيد ، فاحتيل له بشاعر من أهل جنده ، وهو أبو محمد عبد الله بن يوسف ، وقيل هو الحجاج بن يوسف التميمي ، فقال أبياتا ، منها :
نقض الذي أعطيته نقفور فعليه دائرة البوار تدور أبشر أمير المؤمنين فإنه
فتح أتاك به الإله كبير فتح يزيد على الفتوح
يؤمنا بالنصر فيه لواؤك المنصور
في أبيات غيرها .
فلما سمع الرشيد ذلك قال : أوقد فعل ذلك نقفور ؟ وعلم أن الوزراء قد احتالوا له في ذلك ، فرجع إلى بلاد الروم في ( أشد زمان وأعظم كلفة ، حتى بلغ بلادهم ) ، فأقام بها حتى شفى واشتفى وبلغ ما أراد .
وقيل : كان فعل نقفور وهذه الأبيات سببا لسير الرشيد وفتح هرقلة . وفي ذلك يقول أبو العتاهية :
ألا بادت هرقلة بالخراب من الملك الموفق للصواب
غدا هارون يرعد بالمنايا ويبرق بالمذكرة القضاب
ورايات يحل النصر فيها تمر كأنها قطع السحاب