الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            موت الرشيد

            وفي سنة ثلاث وتسعين ومائة مات الرشيد أول جمادى الآخرة لثلاث خلون منه ، وكانت قد اشتدت علته بالطريق بجرجان ، فسار إلى طوس فمات بها . وكان قد رأى ، وهو بالرقة رؤيا أفزعته ، وغمه ذلك ، فدخل عليه جبريل بن بختيشوع ، فقال : ما لك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : رأيت كأن كفا فيها تربة حمراء خرجت من تحت سريري هذا ، وقائلا يقول هذه تربة أمير المؤمنين . فهون عليه جبريل أمرها ، وقال : هذه من أضغاث الأحلام ، ومن حديث النفس ، فتناسها يا أمير المؤمنين . فلما سار يريد خراسان ومر بطوس ، واعتقلته العلة بها ، ذكر رؤياه التي كان رأى ؛ فهاله ذلك ، وانزعج جدا فدخل الناس عليه ، فقال لجبريل : ويحك ؟ أما تذكر ما قصصته عليك من الرؤيا ؟ فقال : بلى يا أمير المؤمنين ، فكان ماذا ؟ فدعا مسرورا الخادم ، وقال : ائتني بشيء من تربة هذه الأرض . فجاءه بتربة حمراء في يده ، فلما رآها قال : والله هذه الكف التي رأيت ، والتربة التي كانت فيها . قال جبريل : فوالله ما أتت عليه ثلاث حتى توفي رحمه الله .

            وفي رواية أخرى : أنه رأى في المنام أن امرأة وقفت عليه ، وأخذت كف تراب وقالت : هذه تربتك عن قليل . فأصبح فزعا ، فقص رؤياه ، فقال له أصحابه : وما في هذا ؟ قد يرى النائم أغلظ من هذا . فبينا هو يوما يسير إذ نظر إلى امرأة فقال : هذه والله المرأة التي رأيتها في منامي ، ولقد رأيتها بين ألف امرأة ما خفيت علي ، ثم أمرها أن تأخذ كفا من تراب فتناوله ، فضربت بيدها الأرض ، وناولته ، فقال : هذه والله التربة التي رأيتها ، وهذه المرأة بعينها . وكان إذ مات هناك . وقد أمر بحفر قبره قبل موته في الدار التي كان فيها ، وهي دار حميد بن أبي غانم الطائي ، فجعل ينظر إلى قبره ، وهو يقول : ابن آدم تصير إلى هذا ! ثم أمر بقراء فقرءوا في القبر القرآن حتى ختموه ، وهو في محفة على شفير القبر ، ولما حضرته الوفاة احتبى بملاءة وجلس يقاسي سكرات الموت ، وكانت وفاته ليلة السبت ، وقيل : ليلة الأحد . مستهل جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة ، عن خمس ، وقيل : سبع وأربعين سنة . فكان ملكه ثلاثا وعشرين سنة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية