وفيها : ، فكان خروجه عشية الجمعة لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة ، وخرج فيما بين صلاة الجمعة إلى صلاة العصر إلى معسكره في زهاء من أربعين ألفا . شخص علي بن عيسى إلى الري لحرب المأمون
ولما أراد الخروج ودع أم جعفر فقالت له : يا علي ، إن أمير المؤمنين وإن كان ولدي فأني على عبد الله مشفقة ، فاعرف لعبد الله حق إخوته ، ولا تبجه بالكلام ولا تفتشره افتشار العبيد ، وإن شتمك فاحتمله ، ثم دفعت إليه قيدا من فضة فقالت : إن صار في يدك فقيده به .
فشخص ومعه الأمين إلى النهروان يوم الأحد لست بقين من جمادى الآخرة ، فعرض الجند ، وعاد إلى مدينة السلام ، وأقام علي بن عيسى بالنهروان ثلاثة أيام ، ثم شخص إلى ما وجه له مسرعا ، حتى نزل همدان ، فولى عليها عبد الله بن حميد بن قحطبة ، وكان الأمين قد كتب إلى عصمة بن حماد يأمره بالانصراف في خاصة أصحابه ، وضم بقية العسكر وما فيه من الأموال إلى علي بن عيسى ، وكتب إلى أبي دلف القاسم بن علي بالانضمام إليه فيمن معه من أصحابه ، وشخص علي بن عيسى من همدان يريد الري ، فكان يسأل عن خراسان فيقال له إن طاهرا مقيم بالري ، فيضحك فيقول وما طاهر ! ؟ هل هو إلا شوكة بين أعضائي . فلقيه طاهر في نحو أربعة آلاف ، فلما رأى طاهر جمع علي بن عيسى قال : هذا ما لا طاقة لنا به ، ولكن نجعلها خارجية نقصد القلب . فحملوا فجرى القتال ، فقتل علي بن عيسى وألقي في بئر ، وهزم عسكره وأخذ منهم سبعمائة ألف درهم .
وكتب طاهر إلى ذي الرئاستين : أطال الله بقاءك ، وكبت أعداءك ، وجعل من يشنؤك فداءك ، كتبت إليك ورأس علي بن عيسى بين يدي ، وخاتمه في أصبعي ، والحمد لله رب العالمين .
فدخل على المأمون فبشره ، فأيد طاهرا بالرجال ، وسماه ذا اليمينين ، وأمر بإحضار أهل بيته ، والقواد ، ووجوه الناس ، فدخلوا فسلموا عليه بالخلافة ، وأعلن يومئذ بخلع الأمين .
ثم ورد برأس علي بن عيسى يوم الثلاثاء ، فطيف به خراسان ، وبلغ الخبر إلى الأمين ، فندم على نكثه وغدره ، ومشى القواد بعضهم إلى بعض ، وذلك يوم الخميس للنصف من شوال ، فقالوا : إن عليا قد قتل ، ولا شك أن محمدا يحتاج إلى الرجال ، فاطلبوا الجوائز والأرزاق ، فلعلنا نصيب في هذه الحالة ما يصلحنا ، فأصبحوا يكبرون ويطلبون الأرزاق .
وبلغ الخبر عبد الله بن خازم ، فركب إليهم في أصحابه ، فتراموا بالنشاب والحجارة ، وسمع محمد التكبير والضجيج ، فقال : ما الخبر ؟ فأعلموه ، فقال : مروا ابن خازم فلينصرف عنهم .
ثم أمر لهم بأرزاق أربعة شهور ، ورفع من كان دون الثمانين إلى الثمانين ، وأمر للقواد بالصلات ، وبعث إلى نوفل خادم المأمون ، فأخذ منه ستة آلاف ألف درهم التي كان الرشيد وصل المأمون بها ، وقبض ضياعه وغلاته وأمواله ، وولى عليها عمالا من قبله.