الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفيها : شخص علي بن عيسى إلى الري لحرب المأمون  ، فكان خروجه عشية الجمعة لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة ، وخرج فيما بين صلاة الجمعة إلى صلاة العصر إلى معسكره في زهاء من أربعين ألفا .

            ولما أراد الخروج ودع أم جعفر فقالت له : يا علي ، إن أمير المؤمنين وإن كان ولدي فأني على عبد الله مشفقة ، فاعرف لعبد الله حق إخوته ، ولا تبجه بالكلام ولا تفتشره افتشار العبيد ، وإن شتمك فاحتمله ، ثم دفعت إليه قيدا من فضة فقالت : إن صار في يدك فقيده به .

            فشخص ومعه الأمين إلى النهروان يوم الأحد لست بقين من جمادى الآخرة ، فعرض الجند ، وعاد إلى مدينة السلام ، وأقام علي بن عيسى بالنهروان ثلاثة أيام ، ثم شخص إلى ما وجه له مسرعا ، حتى نزل همدان ، فولى عليها عبد الله بن حميد بن قحطبة ، وكان الأمين قد كتب إلى عصمة بن حماد يأمره بالانصراف في خاصة أصحابه ، وضم بقية العسكر وما فيه من الأموال إلى علي بن عيسى ، وكتب إلى أبي دلف القاسم بن علي بالانضمام إليه فيمن معه من أصحابه ، وشخص علي بن عيسى من همدان يريد الري ، فكان يسأل عن خراسان فيقال له إن طاهرا مقيم بالري ، فيضحك فيقول وما طاهر ! ؟ هل هو إلا شوكة بين أعضائي . فلقيه طاهر في نحو أربعة آلاف ، فلما رأى طاهر جمع علي بن عيسى قال : هذا ما لا طاقة لنا به ، ولكن نجعلها خارجية نقصد القلب . فحملوا فجرى القتال ، فقتل علي بن عيسى وألقي في بئر ، وهزم عسكره وأخذ منهم سبعمائة ألف درهم .

            وكتب طاهر إلى ذي الرئاستين : أطال الله بقاءك ، وكبت أعداءك ، وجعل من يشنؤك فداءك ، كتبت إليك ورأس علي بن عيسى بين يدي ، وخاتمه في أصبعي ، والحمد لله رب العالمين .

            فدخل على المأمون فبشره ، فأيد طاهرا بالرجال ، وسماه ذا اليمينين ، وأمر بإحضار أهل بيته ، والقواد ، ووجوه الناس ، فدخلوا فسلموا عليه بالخلافة ، وأعلن يومئذ بخلع الأمين .

            ثم ورد برأس علي بن عيسى يوم الثلاثاء ، فطيف به خراسان ، وبلغ الخبر إلى الأمين ، فندم على نكثه وغدره ، ومشى القواد بعضهم إلى بعض ، وذلك يوم الخميس للنصف من شوال ، فقالوا : إن عليا قد قتل ، ولا شك أن محمدا يحتاج إلى الرجال ، فاطلبوا الجوائز والأرزاق ، فلعلنا نصيب في هذه الحالة ما يصلحنا ، فأصبحوا يكبرون ويطلبون الأرزاق .

            وبلغ الخبر عبد الله بن خازم ، فركب إليهم في أصحابه ، فتراموا بالنشاب والحجارة ، وسمع محمد التكبير والضجيج ، فقال : ما الخبر ؟ فأعلموه ، فقال : مروا ابن خازم فلينصرف عنهم .

            ثم أمر لهم بأرزاق أربعة شهور ، ورفع من كان دون الثمانين إلى الثمانين ، وأمر للقواد بالصلات ، وبعث إلى نوفل خادم المأمون ، فأخذ منه ستة آلاف ألف درهم التي كان الرشيد وصل المأمون بها ، وقبض ضياعه وغلاته وأمواله ، وولى عليها عمالا من قبله.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية