وفيها : خلع داود بن عيسى عامل مكة والمدينة محمدا ، وبايع للمأمون ، وأخذ البيعة على الناس ، وكتب بذلك إلى طاهر بن الحسين والمأمون ، وكان السبب في ذلك : أنه لما أخذ الكتابان من الكعبة جمع داود بن عيسى حجبة الكعبة والقرشيين والفقهاء ومن كان شهد ما في الكتابين ، فقال لهم : قد علمتم ما أخذ علينا الرشيد من العهد والميثاق عند بيت الله الحرام ، لنكونن مع المظلوم على الظالم ، وقد رأيتم أن محمدا بدأ بالظلم والغدر والنكث والخلع وخلع أخويه ، وبايع لطفل رضيع لم يفطم ، واستخرج الشرطين من الكعبة عاصيا ظالما فحرقهما بالنار ، وقد رأيت خلعه وأن أبايع للمأمون إذ كان مظلوما .
فقال له أهل مكة : رأينا تبع لرأيك . فوعدهم صلاة الظهر ، وأرسل في فجاج مكة صائحا يصيح : الصلاة جامعة ، وذلك يوم الخميس لسبع وعشرين ليلة خلت من رجب ، فخرج فصلى بالناس الظهر ، وقد وضع له المنبر بين الركن والمقام ، فجلس عليه ، وحمد الله تعالى وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا أهل مكة ، أنتم الأصل ، وإلى قبلكم يأتم المسلمون ، وقد علمتم ما أخذ عليكم الرشيد ، وقد علمنا أن محمدا بدأ بالظلم والبغي ، وقد حل لنا ولكم خلعه وأشهدكم أني خلعت محمد بن هارون من الخلافة كما خلعت قلنسوتي هذه من رأسي . ثم خلعها فرمى بها إلى بعض الخدم تحته ، وأتي بقلنسوة فلبسها ، ثم قال : قد بايعت لعبد الله المأمون ، ألا فقوموا فبايعوه .
فبقوا أياما يبايعونه .
وكتب إلى ابنه سليمان بن داود بن عيسى وهو خليفته على المدينة يأمره [أن ] يفعل كذلك ، فلما رجع جواب البيعة من المدينة إلى داود رحل إلى المأمون فأعلمه بذلك ، فسر المأمون وتيمن ببركة مكة والمدينة ، وكتب لداود عهدا على مكة والمدينة وأعمالها ، وزيد ولاية عك ، وكتب له إلى الري بمعونة خمسمائة ألف درهم ، وخلع أهل اليمن محمدا وبايعوا للمأمون