الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            1077 - شعيب بن حرب ، أبو صالح المديني .

            سمع شعبة ، والثوري ، وزهير بن معاوية .

            وروى عنه : أحمد بن حنبل وغيره . وكان من الثقات العلماء العباد الآمرين بالمعروف ، المدققين في طلب الحلال .

            عن أحمد بن الحسين الصوفي قال : سمعت أبا حمدون المقرئ ، واسمه : طيب بن إسماعيل يقول : ذهبنا إلى المدائن إلى شعيب بن حرب ، كان قاعدا على شط دجلة ، وكان قد بنى كوخا ، وخبز له معلق ، وإنما كان جلدا وعظما ، قال : فقال : أرى ها هنا بعد لحما ، والله لا علم في دورنا به حتى أدخل إلى القبر وأنا عظام تقعقع ، أريد السمن للدود والحيات ؟

            قال : فبلغ أحمد بن حنبل قوله فقال : شعيب بن حرب حمل على نفسه في الورع .

            عن إبراهيم بن عبد الملك قال :

            جاء رجل إلى شعيب بن حرب وهو بمكة فقال : ما جاء بك ؟ قال : جئت أؤنسك . قال :

            جئت تؤنسني وأنا أعالج الوحدة منذ أربعين سنة .

            قال ابن أبي الدنيا : وحدثني الحسن بن الصباح قال : سمعت شعيب بن حرب يقول : لا تجلس إلا مع أحد رجلين : رجل يعلمك خيرا فتقبل منه ، أو رجل تعلمه خيرا فيقبل منك . والثالث اهرب منه .

            عن عبد الوهاب قال: كان ها هنا قوم خرجوا إلى المدائن إلى شعيب بن حرب ، فما رجعوا إلى دورهم ، ولقد أقام بعضهم لم يستق الماء ، وكان شعيب يقول لبعضهم الذي يستقي الماء : لو رآك سفيان لقرت عينه .

            قال المصنف رحمه الله : كان شعيب قد اعتزل الناس وأقام بالمدائن يتعبد ، ثم خرج إلى مكة ، فتوفي بها بعلة البطن في هذه السنة . وقيل في سنة تسع وتسعين .

            1078 - عبيد بن وهب بن مسلم ، أبو محمد ، مولى لقريش   .

            ولد في ذي القعدة سنة خمس وعشرين ومائة ، وطلب العلم وهو ابن سبع عشرة سنة .

            عن أحمد بن سعيد الهمداني قال : دخل ابن وهب الحمام فسمع قارئا يقرأ : وإذ يتحاجون في النار فسقط مغشيا عليه ، فغسلت عنه النورة وهو لا يعقل .

            عن يونس بن عبد الأعلى يقول : كتب الخليفة إلى عبد الله بن وهب في قضاء مصر ، فجنن نفسه ولزم البيت ، فاطلع عليه رشدين بن سعد من السطح فقال :

            يا أبا محمد ، ألا تخرج للناس فتحكم بينهم كما أمر الله ورسوله ، قد جننت نفسك ، ولزمت البيت . فقال : إني ها هنا انتهى عقلك ، ألم تعلم أن القضاء يحشرون يوم القيامة مع السلاطين ويحشر العلماء مع الأنبياء ! ؟

            توفي عبد الله بمصر في شعبان هذه السنة .

            1079 - عبد الرحمن بن مسهر بن عمر - وقيل : عمير - أبو الهيثم الكوفي .  

            حدث عن هشام بن عروة وغيره . وهو قاضي جبل .

            عن عبد الرحمن بن مسهر قال : ولاني أبو يوسف القاضي القضاء بجبل ، وبلغني أن الرشيد ينحدر إلى البصرة ، فسألت أهل جبل أن يثنوا علي ، فوعدوني أن يفعلوا ذلك إذا انحدر ، فلما قرب منا سألتهم الحضور ، فلم يفعلوا وتفرقوا ، فلما آيسوني من أنفسهم سرحت لحيتي وخرجت له ، فوقفت فوافى وأبو يوسف معه في الحراقة ، فقلت :

            يا أمير المؤمنين ، نعم القاضي قاضي جبل ، قد عدل فينا وفعل وصنع ، وجعلت أثني على نفسي ، ورآني أبو يوسف فطأطأ رأسه وضحك ، فقال له الرشيد : مم ضحكت ؟

            فقال : المثني على القاضي هو القاضي . فضحك هارون حتى فحص برجليه وقال : هذا شيخ سخيف سفلة فاعزله ، فعزلني . فلما رجع جعلت أختلف إليه وأسأله أن يوليني قضاء ناحية أخرى ، فلم يفعل . فحدثت الناس عن مجالد ، عن الشعبي أن كنية الدجال : أبو يوسف ، وبلغه ذلك ، فقال : هذه بتلك ، فحسبك وصر إلي حتى أوليك ناحية أخرى . ففعل ، وأمسكت عنه .

            قال يحيى : عبد الرحمن بن مسهر ليس بشيء .

            وقال النسائي : هو متروك الحديث .

            1080 - عثمان بن سعيد ، أبو سعيد ، الملقب : ورش .

            روى عن نافع القراءة ، وهو من أعلام أصحابه ، توفي في هذه السنة .

            1081 - وكيع بن الجراح بن عدي بن فرس بن جمحة ، أبو سفيان الرؤاسي الكوفي   .

            ولد سنة تسع وعشرين ومائة ، وقيل سنة ثمان .

            وسمع إسماعيل بن أبي خالد ، وهشام بن عروة ، والأعمش ، وابن عون ، وابن جريج والأوزاعي ، وسفيان وخلقا كثيرا .

            وحدث وهو ابن ثلاث وثلاثين ، فروى عنه ابن المبارك ، وقتيبة ، وأحمد ، ويحيى . وأحضره الرشيد ليوليه القضاء فامتنع .

            عن وكيع قال : أتيت الأعمش فقلت : حدثني : فقال لي : ما اسمك ؟ قلت : وكيع . فقال : اسم نبيل ، وما أحسب إلا سيكون لك نبأ ، أين تنزل من الكوفة ؟ قلت : في بني رؤاس . قال : أين من منزل الجراح بن مليح ؟ قلت : ذاك أبي ، وكان أبي على بيت المال . قال : اذهب فجئني بعطائي وتعال حتى أحدثك بخمسة أحاديث . قال : فجئت أبي فأخبرته ، فقال : خذ نصف العطاء واذهب به ، فإذا حدثك بالخمسة فخذ النصف الآخر فاذهب به حتى تكون عشرة . قال : فأتيته بنصف عطائه ، فأخذه فوضعه في كفه ، ثم سكت ، فقلت :

            حدثني . فقال : اكتب . فأملى علي حديثين . قال : قلت : وعدتني خمسة . قال : فأين الدراهم كلها ؟ أحسب أن أباك أمرك بهذا ، ولم يعلم أن الأعمش قد شهد الوقائع ، اذهب وجئ بتمامها كلها وتعال أحدثك خمسة أحاديث . قال : فجئته فحدثني بخمسة .

            قال : فكان إذا كان كل شهر جئته بعطائه فحدثني بخمسة أحاديث .

            عن أسد بن عفير قال : حدثني رجل من أهل هذا الشأن من أهل المروة والأدب قال : جاء رجل إلى وكيع فقال له : إني أمت إليك بحرمة . قال : وما حرمتك ؟ قال : كنت تكتب من محبرتي في مجلس الأعمش . قال :

            فوثب وكيع فأخرج له من منزله صرة فيها دنانير وقال : أعذرني ، فإني ما أملك غيرها .

            عن إبراهيم الحربي قال : سمعت أحمد بن حنبل ذكر يوما وكيعا فقال : ما رأت عيني مثله قط ، يحفظ الحديث جيدا ، ويذاكر بالفقه فيحسن ، مع ورع واجتهاد ، ولا يتكلم في أحد .

            عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات لم يدفن حتى ربا بطنه وانتشرت خنصراه . قال قتيبة : حدث بهذا الحديث وكيع وهو بمكة ، وكانت سنة حج فيها الرشيد فقدموه إليه ، فدعا الرشيد سفيان بن عيينة ، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، فأما عبد المجيد فقال : يجب أن يقتل هذا ، فإنه لم يرو هذا إلا وفي قلبه غش للنبي صلى الله عليه وسلم .

            فسأل الرشيد سفيان بن عيينة فقال : لا يجب عليه القتل رجل سمع حديثا فرواه ، لا يجب عليه القتل ، إن المدينة شديدة الحر ، توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، فنزل إلى قبره ليلة الأربعاء لأن القوم كانوا في صلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، واختلفت قريش والأنصار ، فمن ذلك تغير .

            قال قتيبة : فكان وكيع إذا ذكر له فعل عبد المجيد قال : ذلك رجل جاهل ، سمع حديثا لم يعرف وجهه ، فتكلم بما تكلم .

            توفي وكيع بفيد في هذه السنة وهو ابن ست وستين سنة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية