الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفيها توفي طاهر بن الحسين بن مصعب ؛ نائب العراق بكمالها ، وخراسان بكمالها ، وجد في فراشه ميتا بعد ما صلى العشاء الآخرة والتف في الفراش ، فاستبطأ أهله خروجه لصلاة الفجر ، فدخل عليه أخوه وعمه فوجداه ميتا ، فلما بلغ موته المأمون قال : لليدين وللفم ، الحمد لله الذي قدمه وأخرنا . وذلك أنه بلغه أنه خطب يوما ولم يدع له فوق المنبر ، ومع هذا ولى ولده عبد الله مكانه ، مع إضافة أرض الجزيرة والشام إلى نيابته ، فاستخلف عبد الله على خراسان أخاه طلحة بن طاهر سبع سنين ، ثم توفي طلحة فاستقل عبد الله بجميع تلك البلاد ، وكان نائب عبد الله على بغداد إسحاق بن إبراهيم . وقد كان طاهر بن الحسين هو الذي انتزع بغداد وأرض العراق بكمالها من يد الأمين بن الرشيد وقتله أيضا واستوسق الأمر للمأمون ، كما ذكرنا في سنة خمس وتسعين ، وقد دخل طاهر هذا يوما على المأمون فسأله حاجة فقضاها له ، ثم نظر إليه المأمون واغرورقت عيناه ، فقال له طاهر : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ فلم يخبره ، فأعطى طاهر حسينا الخادم مائتي ألف درهم حتى استعلم له ما كان خبر بكائه ، فقال له : لا تخبر به أحدا ، أقتلك ، ذكرت مقتل أخي ، وما ناله من الإهانة على يدي طاهر ، ووالله لا تفوته مني . فلما تحقق طاهر ذلك سعى في النقلة من بين يديه ، ولم يزل حتى ولاه خراسان وأطلق له خادما من خدامه ، وعهد إلى الخادم إن رأى منه ما يريبه أن يسمه ، فلما خطب يوم الجمعة طاهر ، ولم يدع للمأمون ، سمه الخادم في كامخ ، فمات من ليلته .

            وقد كان طاهر بن الحسين هذا يقال له : ذو اليمينين . وكان بفرد عين ، فقال فيه عمرو بن بانة :


            يا ذا اليمينين وعين واحده نقصان عين ويمين زائده

            واختلف في معنى كونه ذا اليمينين ، فقيل : لأنه ضرب رجلا بشماله فقده نصفين . ويحتمل أنه لقب بذلك لأنه ولي العراق وخراسان .

            وقد كان كريما ممدحا يحب الشعر ويجزي عليه الجزيل . ركب يوما في حراقة فقال فيه شاعر :


            عجبت لحراقة ابن الحسي     ن لا غرقت كيف لا تغرق
            وبحران من فوقها واحد     وآخر من تحتها مطبق
            وأعجب من ذاك أعوادها     وقد مسها كيف لا تورق

            فأجازه بثلاثة آلاف دينار ، وقال : إن زدتنا زدناك .

            قال ابن خلكان : ما أحسن ما قاله بعض الشعراء في بعض الرؤساء وقد ركب البحر :

            ولما امتطى البحر ابتهلت تضرعا     إلى الله يا مجري الرياح بلطفه
            جعلت الندى من كفه     مثل موجه فسلمه واجعل موجه مثل كفه

            قال القاضي ابن خلكان : مات طاهر بن الحسين هذا يوم السبت لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة سبع ومائتين ، وكان مولده سنة تسع وخمسين ومائة . وكان الذي سار إلى ولده عبد الله بن طاهر وهو بأرض الرقة يعزيه في أبيه ويهنيه بولاية تلك البلاد ، القاضي يحيى بن أكثم عن أمر المأمون

            التالي السابق


            الخدمات العلمية