وفيها قتل أهل ماردة من الأندلس عاملهم ، فثارت الفتنة عندهم ، فسير إليهم عبد الرحمن جيشا ، فحصرهم ، وأفسد زرعهم وأشجارهم ، فعاودوا الطاعة ، وأخذت رهائنهم ، وعاد الجيش بعد أن خربوا سور المدينة .
ثم أرسل عبد الرحمن إليهم بنقل حجارة السور إلى النهر ; لئلا يطمع أهلها في عمارته ، فلما رأوا ذلك عادوا إلى العصيان ، وأسروا العامل عليهم ، وجددوا بناء السور وأتقنوه .
فلما دخلت سنة أربع عشرة سار عبد الرحمن ، صاحب الأندلس ، في جيوشه إلى ماردة ، ومعه رهائن أهلها ، فلما بارزها راسله أهلها ، وافتكوا رهائنهم بالعامل الذي أسروه وغيره ، وحصرهم ، وأفسد بلدهم ورحل عنهم .
ثم سير إليهم جيشا سنة سبع عشرة ومائتين ، فحصروها ، وضيقوا عليها ، ودام الحصار ، ثم رحلوا عنهم .
فلما دخلت سنة ثماني عشرة سير إليها جيشا ، ففتحها ، وفارقها أهل الشر والفساد .
وكان من أهلها إنسان اسمه محمود بن عبد الجبار الماردي ، فحصره عبد الرحمن بن الحكم في جمع كثير من الجند ، وصدقوه القتال ، فهزموه وقتلوا كثيرا من رجاله ، وتبعتهم الخيل ، فأفنوهم قتلا وأسرا وتشريدا .
ومضى محمود بن عبد الجبار الماردي فيمن سلم معه من أصحابه إلى منت سالوط ، فسير إليه عبد الرحمن جيشا سنة عشرين ومائتين ، فمضوا هاربين عنه إلى حلقب في ربيع الآخر منها ، فأرسل سرية في طلبهم ، فقاتلهم محمود ، فهزمهم ، وغنم ما معهم ، ومضوا لوجهتهم ، فلقيهم جمع من أصحاب عبد الرحمن مصادفة ، فقاتلوهم ثم كف بعضهم عن بعض ، وساروا ، فلقيهم سرية أخرى ، فقاتلوهم ، فانهزمت السرية ، وغنم محمود ما فيها .
وسار حتى أتى مدينة مينة ، فهجم عليها وملكها ، وأخذ ما فيها من دواب وطعام ، وفارقوها ، فوصلوا إلى بلاد المشركين ، فاستولوا على قلعة لهم ، فأقاموا بها خمسة أعوام وثلاثة أشهر ، فحصرهم أذفونس ملك الفرنج ، فملك الحصن ، وقتل محمودا ومن معه ، وذلك سنة خمس وعشرين ومائتين في رجب ، وانصرف من فيها .