الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            1234 - إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ، أبو إسحاق المعروف بابن علية .

            كان أحد المتكلمين القائلين بخلق القرآن .  

            عن يعقوب بن سفيان الفارسي قال: خرج إبراهيم بن إسماعيل بن علية ليلة من مسجد مصر وقد صلى العتمة وهو في زقاق القناديل ومعه رجل ، فقال له الرجل: إني قرأت البارحة سورة الأنعام ، فرأيت بعضها ينقض بعضا . فقال له إبراهيم بن إسماعيل ما لم تر أكثر .

            توفي إبراهيم ببغداد ليلة عرفة من هذه السنة بمصر ، وهو ابن سبع وستين سنة .

            1235 - إبراهيم بن أبي زرعة وهب الله ، ابن راشد المؤذن ، يكنى أبا إسحاق .

            كان إمام مسجد الجامع بالفسطاط ، توفي في هذه السنة .

            1236 - بشر بن آدم ، أبو عبد الله الضرير .

            ولد سنة خمسين ومائة ، سمع أبا عبد الله حماد بن سلمة ، وغيره روى عنه:

            ابن راهويه ، والدوري ، والحربي . وقال أبو حاتم الرازي: هو صدوق .

            وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة .

            1237 - بشر بن غياث بن أبي كريمة ، أبو عبد الرحمن [المعروف] بالمريسي .

            [كان شيخا فقيرا فقيها ، دميم المنظر ، وسخ الثياب ، يشبه اليهود] كان يسكن في الدرب المعروف به ، ويسمى درب المريسي ، وهو بين نهر الدجاج ونهر البزازين ، سمع الفقه من أبي يوسف القاضي ، إلا أنه اشتغل بالكلام ، وجرد القول بخلق القرآن . وقد روى من الحديث شيئا يسيرا عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة .

            وكان أبو زرعة [الرازي] يقول: بشر بن غياث زنديق . وقال يزيد بن هارون: هو كافر حلال الدم يقتل .

            قال هارون أمير المؤمنين : بلغني أن بشرا المريسي يزعم أن القرآن مخلوق ،  لله علي إن أظفرني به لأقتلنه قتلة ما قتلها أحد قط .

            قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : دخل حميد الطوسي على أمير المؤمنين وعنده بشر المريسي ، فقال حميد: يا أمير المؤمنين ، هذا سيد الفقهاء ، هذا [قد] رفع عذاب القبر ومسألة منكر ونكير ، والميزان ، والصراط ، [انظر هل يقدر أن يرفع الموت؟] ثم نظر إلى بشر ، وقال: لو رفعت الموت كنت سيد الفقهاء حقا .

            قال محمد بن علي بن ظبيان القاضي : قال لي بشر المريسي: القول في القرآن قول من خالفني أنه غير مخلوق .

            قلت: فارجع عنه ، قال: أرجع عنه وقد قلته منذ أربعين سنة ، ووضعت فيه الكتب ، واحتججت فيه بالحجج .

            قال الحسين بن علي الكرابيسي : جاءت أم بشر المريسي إلى الشافعي رضي الله عنه فقالت: يا أبا عبد الله ، أرى ابني يهابك ويحبك ، وإذا ذكرت عنده أجلك ، فلو نهيته عن هذا الرأي الذي هو فيه ، فقد عاداه الناس عليه ، ويتكلم في شيء يواليه الناس ويحبونه؟ فقال لها الشافعي: أفعل . فشهدت الشافعي وقد دخل عليه بشر ، فقال له الشافعي: أخبرني عما تدعو إليه أكتاب ناطق أم فرض مفترض ، أم سنة قائمة ، أم وجوب عن السلف البحث فيه والسؤال عنه؟ فقال بشر: ليس فيه كتاب ناطق ، ولا فرض مفترض ، ولا سنة قائمة ، ولا وجوب عن السلف البحث فيه والسؤال عنه ، إلا أنه لا يسعنا خلافه . فقال الشافعي: أقررت على نفسك بالخطأ ، فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار ، يواليك الناس عليه وتترك هذا؟ قال: لنا نهمة فيه ، فلما خرج بشر ، قال الشافعي: لا يفلح .

            [عن أحمد بن عيسى بن السكين قال:

            سمعت أبا يعقوب إسحاق بن إبراهيم يقول: مررت في الطريق ، فإذا بشر المريسي والناس عليه مجتمعون ، فمر يهودي ، فأنا سمعته يقول: لا يفسد عليكم كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة . يعني: أن أباه يهوديا] .

            توفي بشر في ذي الحجة من هذه السنة . وقيل: في سنة تسع عشرة ، وكان الصبيان يتعادون بين يدي الجنازة ويقولون: من يكتب إلى مالك؟ من يكتب إلى مالك ؟

            قال عثمان بن سعيد الرازي : حدثنا الثقة من أصحابنا قال: لما مات بشر المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم السنة أحد إلا عبيد الشونيزي ، فلما رجع من جنازة المريسي لاموه ، فقال: أنظروني حتى أخبركم: ما شهدت جنازة رجوت فيها من الأجر ما رجوت في هذه ، قمت في الصف ، فقلت: اللهم إن عبدك هذا كان لا يؤمن [برؤيتك في الآخرة ، اللهم فاحجبه عن النظر إلى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون ، اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن] بعذاب القبر ، اللهم فعذبه اليوم في قبره عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين . اللهم عبدك هذا كان ينكر [الميزان ، اللهم فخفف ميزانه يوم القيامة ، اللهم عبدك هذا كان ينكر] الشفاعة اللهم ولا تشفع فيه أحدا من خلقك يوم القيامة ، قال: فسكتوا عنه وضحكوا .

            قال بشر بن الحارث : جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق ، فلولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود ، والحمد لله الذي أماته هكذا .

            قال عثمان بن إسماعيل السكري : سمعت أبي يقول سمعت أحمد [بن الدورقي] يقول: مات رجل من جيراننا شاب فرأيته في النوم وقد شاب ، فقلت له: ما قصتك؟ قال: دفن بشر في مقبرتنا ، فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من في المقبرة .

            وقد ذكرنا في أخبار زبيدة مثله .

            1239 - عبد الملك بن هشام بن أيوب ، أبو محمد الذهلي البصري النحوي .

            يروي مغازي ابن إسحاق ، عن زياد بن عبد الله البكائي عنه ، وكان ثقة .

            توفي بمصر في ربيع الآخر من هذه السنة .

            1240 - عبد الأعلى بن مسهر ، أبو مسهر الدمشقي الغساني .

            ولد سنة أربعين ومائة ، وسمع مالك بن أنس وغيره ، وكان ثقة ، عالما بالمغازي وأيام الناس ، حمله المأمون إلى بغداد أيام المحنة .

            قال أبو داود السجستاني: رحم الله أبا مسهر ، لقد كان من الإسلام بمكان ، حمل على المحنة ، وحمل على السيف ،  فمد رأسه وجرد السيف ، فأبى أن يجيب ، فلما رأوا ذلك حمله إلى السجن ، وسمعت أحمد بن حنبل يقول: رحم الله أبا مسهر؛ لقد كان من الإسلام بمكان ، ما كان أثبته .

            قال محمد بن سعد : شخص أبو مسهر من دمشق إلى عبد الله بن هارون وهو بالرقة ، فسأله عن القرآن فقال: كلام الله ، وأبى أن يقول مخلوق ، فدعي له بالسيف والنطع ليضرب عنقه ، فلما رأى ذلك قال: مخلوق ، فتركه من القتل وقال: أما إنك لو قلت ذلك قبل أن أدعو لك بالسيف لقبلت منك ورددتك إلى بلادك وأهلك ، ولكنك تخرج [الآن] فتقول: قلت ذلك فرقا من القتل ، أشخصوه إلى بغداد ، فاحبسوه بها حتى يموت . فأشخص من الرقة إلى بغداد في شهر ربيع الآخر من سنة ثمان عشرة ومائتين ، فحبس فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات في غرة رجب سنة ثماني عشرة .

            قال المصنف: ودفن بباب التين ، وهو ابن تسع وسبعين سنة .

            1241 - علي الجرجرائي .

            كان ينزل جبل لبنان .

            قال القاسم بن القاسم : بلغني أن بشرا الحافي يقول: لقيت [عليا] الجرجرائي بجبل لبنان على عين ماء ، قال فلما أبصرني قال: بذنب مني لقيت اليوم إنسيا ، فعدوت خلفه ، وقلت:

            أوصني ، فالتفت إليا وقال: أمستوص أنت؟ عانق الفقر ، وعاشر الصبر ، وعاد الهوى ، وعاف الشهوات ، واجعل بيتك أخلى من لحدك يوم تنقل إليه على هذا طاب المسير إلى الله عز وجل .

            1242 - محمد بن أبي الخصيب الأنطاكي .

            سمع مالك بن أنس ، وابن لهيعة ، وغيرهما . روى عنه: عباس الدوري ، وإبراهيم الحربي ، وغيرهما . وكان ثقة .

            وتوفي في بغداد في هذه السنة .

            1243 - محمد بن نوح بن ميمون بن عبد الحميد [العجلي] .

            كان أحد المشتهرين بالسنة والدين والثقة . وكان المأمون قد كتب وهو بالرقة إلى إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة أن يحمل [أحمد] بن حنبل و [محمد] بن نوح إليه بسبب المحنة ، فأخرجا من بغداد على بعير متزاملين ، فمرض محمد بن نوح في طريقه ، ومات في هذه السنة .

            قال حنبل بن إسحاق : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول: ما رأيت أحدا على حداثة سنه وقلة علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح ،  وإني لأرجو أن يكون الله قد ختم له بخير ، قال لي ذات يوم وأنا معه جلوس: يا أبا عبد الله إنك لست مثلي أنت رجل يقتدى بك ، وقد مد هذا الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك ، فاتق الله ، واثبت لأمر الله . ونحو هذا ، فانظر هذا الكلام ، فعجبت منه من موعظته لي وتقويته إياي ، فصار في بعض الطريق فمات ، فصليت عليه ودفنته . أظنه قال: بعانة . فانظر بماذا ختم له .

            1244 - معاوية بن عبد الله بن أبي يحيى الأسواني أبو سفيان مولى بني أمية .

            روى عن مالك ، والليث ، وابن لهيعة ، وكان ثقة ، وكانت القضاة تقبله .

            توفي في هذه السنة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية