الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            بشر بن الحارث المعروف بالحافي

            بشر بن [الحارث بن] عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان ، أبو نصر ، المعروف بالحافي .

            مروزي ، ولد بمرو ، وسكن بغداد ، وفاق أهل عصره في الورع والزهد وحسن الطريقة ، وسمع إبراهيم بن سعد ، ومالك ، وحماد بن زيد ، وابن المبارك ، وخلقا كثيرا ، وشغله التعبد عن الرواية ، فلم يتنصب لها .

            وعن محمد بن المثنى قال: قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في هذا الرجل؟ فقال: أي الرجال؟ فقلت: بشر ، قال: سألتني عن رابع سبعة من الأبدال ،  ما مثله عندي إلا مثل رجل ركز رمحا في الأرض ، ثم قعد منه على السنان ، فهل ترك لأحد موضعا يقعد فيه؟

            وقال أبو حامد بن خالد الحذاء : سمعت إبراهيم الحربي يقول: ما أخرجت بغداد أتم عقلا ولا أحفظ للسانه [من بشر بن الحارث] ،  كان في كل شعرة منه عقل ، وطئ الناس عقبه خمسين سنة ، ما عرف له غيبة لمسلم ، لو قسم عقله على أهل بغداد صاروا عقلاء ، وما نقص من عقله شيء .

            وقال أبا عمران الوركاني : تخرق إزار بشر ، فقالت له أخته: يا أخي ، قد تخرق إزارك ، وهذا البرد ، فلو جئت بقطن حتى أغزل لك ، قال: فكان يجيء بالأستارين والثلاثة فقالت له: إن الغزل قد اجتمع ، أفلا تسلم إزارك إن أردت السرعة؟ فقال لها: هاتيه ، فأخرجته إليه ، فوزنه وأخرج ألواحه وجعل يحسب الأساتير ، فلما رآها قد زادت فيه قال: كما أفسدتيه فخذيه .

            قال المروزي: وسمعت بعض القطانين يقول: أهدى إلي أستاذ لي رطبا وكان بشر يقيل في دكاننا في الصيف ، فقال له أستاذي: يا أبا نصر ، هذا من وجه طيب ، فإن رأيت أن تأكله ، قال: فجعل يمسه بيده ، ثم ضرب بيده إلى لحيته ، وقال: ينبغي أن أستحي من الله ، إني [عند الناس] تارك لهذا وآكله في السر .

            وقال أبو حفص عمر ابن أخت بشر الحافي : حدثتني أمي قالت: جاء رجل إلى الباب فدقه فأجابه بشر: من هذا؟ قال: أريد بشرا ، فخرج إليه فقال له: حاجتك؟ قال: عافاك الله ، أنت بشر؟ قال: نعم ، حاجتك؟ قال: إني رأيت رب العزة [تعالى] في المنام وهو يقول: اذهب إلى بشر فقل له: يا بشر ، لو سجدت على الجمر ما أديت شكري فيما قد بثثت لك - [أو نشرت لك] - في الناس . فقال له: أنت رأيت ذلك ؟ قال: نعم رأيته مرتين ، ليلتين متواليتين فقال: لا تخبر به أحدا ، ثم دخل وولى وجهه إلى القبلة ، وجعل يبكي ويضطرب ، وجعل يقول: اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا ، ونوهت باسمي ، ورفعتني فوق قدري على أن تفضحني في القيامة ، فعجل الآن عقوبتي ، خذ مني بمقدار ما يقوى عليه بدني .

            قال المصنف: وقد جمعت كتابا فيه فضائل بشر الحافي وأخباره؛ فلهذا اقتصرت على ما ذكرت ها هنا كراهية للإعادة [والتطويل] .

            توفي بشر في هذه السنة عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول من سنة سبع وعشرين ، قبل موت المعتصم بستة أيام ، وقد بلغ من السن خمسا وستين سنة .

            يقول أحمد بن زهير : سمعت يحيى بن عبد الحميد الحماني يقول: رأيت أبا نصر التمار ، وعلي بن المديني في جنازة بشر بن الحارث يصيحان في الجنازة: هذا شرف والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة ، وذلك أن بشر بن الحارث [وقد] أخرجت جنازته بعد صلاة الصبح ، ولم يجعل في قبره إلا في الليل ، وكان نهارا صائفا ، ولم يستقر في القبر إلى العتمة .

            عريب

            عريب

            ولدت في سنة إحدى وثلاثين ومائة ، وكانت أمها تسمى فاطمة ، وكانت يتيمة ، فتزوجها جعفر بن يحيى بن خالد ، فأنكر عليه أبوه وقال [له:] أتتزوج من لا يعرف له أب ولا أم ، اشتر مكانها ألف جارية ، فأخرجها وأسكنها دارا في ناحية الأنبار سرا من أبيه ، ووكل بها من يحفظها ، وكان يتردد إليها ، فولدت عريب ، وماتت أم عريب في حياة جعفر ، فدفعها إلى امرأة نصرانية وجعلها داية لها ، فلما حدثت بالبرامكة تلك الحادثة باعتها من سنبس النخاس ، فباعها ، فاشتراها الأمين وافتضها ولم يوف الثمن ، حتى قتل ، فرجعت إلى سيدها ، ثم اشتراها المأمون ، فمات الذي اشتريت منه عشقا لها ، ثم بيعت في ميراث المأمون ، فاشتراها المعتصم بمائة ألف وأعتقها فهي مولاته ، وكانوا إذا نظروا إلى قدمي عريب شبهوها بقدم جعفر بن يحيى ، وكانت عريب شاعرة ، ومليحة الخط ، وغاية في الجمال والظرف ، ثم كانت مغنية محسنة ، صنعت ألف صوت ، وكانت شديدة الفطنة والذكاء ، كتبت إلى بعض الناس: أردت ، ولولا ، ولعل .

            فكتب تحت أردت: ليت ، وتحت لولا: ماذا ، وتحت لعل: أرجو ، فقامت ومضت إليه .

            توفيت عريب في هذه السنة .

            قراطيس أم الواثق

            [قراطيس ، أم الواثق .

            خرجت إلى الحج ، فماتت بالحيرة ، لأربع خلون من ذي القعدة ، ودفنت بالكوفة في دار داود بن عيسى] .

            أبو الأحوص البغوي

            محمد بن حيان ، أبو الأحوص البغوي .

            حدث عن إسماعيل بن علية ، وهشيم ، وغيرهما وروى عنه: أحمد بن حنبل وغيره ، وآخر من روى عنه عبد الله بن محمد البغوي ، وكان ثقة .

            توفي في هذه السنة في ذي الحجة .

            أبو جعفر البزاز ويعرف بالدولابي

            محمد بن الصباح ، أبو جعفر البزاز ، ويعرف بالدولابي .

            سمع إبراهيم بن سعد ، وهشيم بن بشير ، وغيرهما ، روى عنه: أحمد بن حنبل ووثقه ، ولم يختلفوا في ذلك .

            وتوفي يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من شهر الله المحرم من هذه السنة ، وقد جاوز السبعين .

            وممن توفي فيها من الأعيان :

            أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي .

            وإسماعيل بن عمرو البجلي .

            وسعيد بن منصور .

            صاحب السنن المشهورة التي لا يشاركه في مثلها إلا القليل .

            وله سنن أيضا .

            وأبو الوليد الطيالسي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية