الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين  

            في هذه السنة حبس الواثق الكتاب ، وألزمهم أموالا عظيمة ، وأخذ من أحمد بن إسرائيل ثمانين ألف دينار بعد أن ضربه ، ومن سليمان بن وهب كاتب إيتاخ أربع مائة ألف دينار ، ومن إبراهيم بن رباح وكتابه مائة ألف دينار ، ومن أحمد بن الخصيب وكتابه ألف ألف دينار ، ومن نجاح ستين ألف دينار ، ومن أبي الوزير مائة ألف وأربعين ألف دينار .

            وكان سبب ذلك; أنه جلس ليلة مع أصحابه ، فسألهم عن نكبة البرامكة ، فحكى له عرود بن عبد العزيز الأنصاري أن جارية لعدول الخياط أراد الرشيد شراءها ، ( فاشتراها ) بمائة ألف دينار ، وأرسل إلى يحيى بن خالد أن يعطيه ( ذلك ، فقال يحيى : هذا مفتاح سوء ، إذا أخذ ثمن جارية بمائة ألف دينار ، فهو أحرى أن يطلب المال على قدر ذلك ) ، فأرسل يحيى إليه : إنني لا أقدر على هذا المال ، فغضب الرشيد ، وأعاد : لا بد منها ، فأرسل يحيى قيمتها دراهم ، فأمر أن تجعل على طريق الرشيد ليستكثرها ، ففعل ذلك ، فاجتاز الرشيد بها ، فسأل عنها ، فقيل : هذا ثمن الجارية ، فاستكثرها ، فأمر برد الجارية ، وقال لخادم له : اضمم إليك هذا المال ، واجعل لي بيت مال لأضم إليه ما أريد ، وسماه " بيت مال العروس " ، وأخذ في التفتيش عن الأموال ، فوجد البرامكة قد فرطوا فيها .

            وكان يحضر عنده مع سماره رجل يعرف بأبي العود له أدب ، فأمر ليلة له بثلاثين ألف درهم ، فمطله بها يحيى ، فاحتال أبو العود في تحريض الرشيد على البرامكة ، وكان قد شاع تغير الرشيد عليهم ، فبينما هو ليلة عند الرشيد يحدثه ، وساق الحديث إلى أن أنشده قول عمر بن أبي ربيعة :


            وعدت هند وما كانت تعد ليت هندا أنجزتنا ما تعد     واستبدت مرة واحدة
            إنما العاجز من لا يستبد

            فقال الرشيد : أجل إنما العاجز من لا يستبد .

            وكان يحيى قد اتخذ من خدام الرشيد خادما يأتيه بأخباره ، فعرفه ذلك ، فأحضر أبا العود ، وأعطاه ثلاثين ألف درهم ، ومن عنده عشرين ألف درهم ، وأرسل إلى ابنيه الفضل وجعفر ، فأعطى كل واحد منهما عشرين ألفا ، وجد الرشيد في أمرهم حتى أخذهم ، فقال الواثق : صدق والله جدي ، إنما العاجز من لا يستبد ، وأخذ في ذكر الخيانة وما يستحق أهلها ، فلم يمض غير أسبوع حتى نكبهم .

            تولية بعض الولاة ومن حج بالناس تلك السنة

            وفيها ولي شير باسبان لإيتاخ اليمن ، وسار إليها .

            وفيها تولى محمد بن صالح بن العباس المدينة .

            وحج بالناس محمد بن داود .

            قتل غرسية وكثير من المشركين بالأندلس فيها جهز عبد الرحمن عسكرا كبيرا ، واستعمل عليه ابنه محمدا ، وسيره إلى موسى في شهر رمضان من سنة تسع وعشرين ومائتين ، وتقدم محمد إلى بنبلونة ، فأوقع عندها بجمع كثير من المشركين ، وقتل فيها غرسية وكثير من المشركين .

            ثم عاد موسى إلى الخلاف على عبد الرحمن ، فجهز جيشا كبيرا وسيرهم إلى موسى ، فلما رأى ذلك طلب المسالمة ، فأجيب إليها ، وأعطى ابنه إسماعيل رهينة ، وولاه عبد الرحمن مدينة تطيلة ، فسار موسى إليها فوصلها ، وأخرج كل من يخافه ، واستقر فيها .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية