ذكر ولاية خفاجة بن سفيان صقلية وابنه محمد وغزواتهما
قد ذكرنا سنة ست وثلاثين ومائتين أن أمير صقلية العباس توفي سنة سبع وأربعين ، فلما توفي ولى الناس عليهم ابنه عبد الله بن العباس ، وكتبوا إلى الأمير بإفريقية بذلك ، وأخرج عبد الله السرايا ، ففتح قلاعا ( متعددة ) منها : جبل أبي مالك وقلعة الأرمنيين وقلعة المشارعة ، فبقي كذلك خمسة أشهر .
ووصل من إفريقية خفاجة بن سفيان أميرا على صقلية ، فوصل في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومائتين ، فأول سرية أخرجها سرية فيها ولده محمود ، فقصد سرقوسة فغنم ، وخرب وأحرق ، وخرجوا إليه فقاتلهم فظفر ، وعاد ، فاستأمن إليه أهل رغوس .
( وقد جاء سنة اثنتين وخمسين أن أهل رغوس استأمنوا فيها ، على ما نذكره ، ولا نعلم أهذا اختلاف من المؤرخين ، أم هما غزاتان ، ويكون أهلها قد غدروا بعد هذه الدفعة ، والله أعلم ) .
وفي سنة خمسين ومائتين فتحت مدينة نوطس ، وسبب ذلك أن بعض أهلها أخبر المسلمين بموضع دخلوا منه إلى البلد في المحرم ، فغنموا منها أموالا جليلة ، ثم فتحوا شكلة بعد حصار .
وفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين سار خفاجة إلى سرقوسة ، ثم إلى جبل النار ، فأتاه ( رسل ) أهل طبرمين يطلبون الأمان ، فأرسل إليهم امرأته وولده في ذلك ، ( فتم الأمر ) ، ثم غدروا ، فأرسل خفاجة محمدا في جيش إليها ، ففتحها وسبى أهلها .
( وفيها أيضا سار خفاجة إلى رغوس ، فطلب أهلها الأمان ليطلق رجلا من أهلها بأموالهم ، ودوابهم ، ويغنم الباقي ، ففعل وأخذ جميع ما في الحصن من مال ، ورقيق ، ودواب ، وغير ذلك ، وهادنه أهل الغيران وغيرهم ، وافتتح حصونا كثيرة ، ثم مرض ، فعاد إلى بلرم .
وفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين سار خفاجة من بلرم إلى مدينة سرقوسة وقطانية ، وخرب بلادها ، وأهلك زروعها ، وعاد وسارت سراياه إلى أرض صقلية ، فغنموا غنائم كثيرة .
وفي سنة أربع وخمسين ومائتين سار خفاجة في العشرين من ربيع الأول ، وسير ابنه محمدا على الحراقات ، وسير سرية إلى سرقوسة فغنموا ، وأتاهم الخبر أن بطريقا قد سار من القسطنطينية في جمع كثير ، فوصل إلى صقلية ، فلقيه جمع من المسلمين ، فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم الروم ، وقتل منهم خلق كثير ، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة ، ورحل خفاجة إلى سرقوسة ، فأفسد زرعها ، وغنم منها ، وعاد إلى بلرم ، وسير ابنه محمدا في البحر ، مستهل رجب ، إلى مدينة غيطة ، فحصرها ، وبث العساكر في نواحيها ، فغنم وشحن مراكبه بالغنائم ، وانصرف إلى بلرم في شوال .
وفي سنة خمس وخمسين ومائتين سير خفاجة ابنه محمدا إلى مدينة طبرمين ، وهي من أحسن مدن صقلية ، فسار في صفر إليها ، وكان قد أتاهم من وعدهم أن يدخلهم إليها من طريق يعرفه ، فسيره مع ولده ، فلما قربوا منها تأخر محمد ، وتقدم بعض عسكره رجالة مع الدليل ، فأدخلهم المدينة ، وملكوا بابها وسورها ، وشرعوا في السبي والغنائم ، وتأخر محمد بن خفاجة فيمن معهم من العسكر عن الوقت الذي وعدهم أنه يأتيهم فيه ، فلما تأخر عنهم ظنوا أن العدو قد أوقع بهم فمنعهم من السبي ، فخرجوا عنها منهزمين ، ووصل محمد إلى باب المدينة ومن معه من العسكر ، فرأى المسلمين قد خرجوا منها ، فعاد راجعا .
وفيها في ربيع الأول خرج خفاجة وسار إلى مرسة ، وسير ابنه في جماعة كثيرة إلى سرقوسة ، فلقيه العدو في جمع كثير ، فاقتتلوا ، فوهن المسلمون ، وقتل منهم ، ورجعوا ( إلى خفاجة ) ، فسار إلى سرقوسة ، فحصرها ، ( وأقام عليها ، وضيق على أهلها ، وأفسد بلادها ، وأهلك زرعهم ، وعاد عنها يريد بلرم ، فنزل بوادي الطين وسار منه ليلا ، فاغتاله رجل من عسكره ، فطعنه طعنة فقتله ، وذلك مستهل رجب ) ، وهرب الذي قتله إلى سرقوسة ، وحمل خفاجة إلى بلرم ، فدفن بها .
وولى الناس عليهم ابنه محمدا وكتبوا بذلك إلى الأمير محمد بن أحمد ، أمير إفريقية ، فأقره على الولاية ، وسير له العهد والخلع . ذكر ابنه محمد ولاية
لما قتل خفاجة استعمل الناس ابنه محمدا ، وأقره محمد بن أحمد ( بن الأغلب ) ، صاحب القيروان ، على ولايته ، فسير جيشا في سنة ست وخمسين ومائتين إلى مالطة ، وكان الروم يحاصرونها ، فلما سمع الروم بمسيرهم رحلوا عنها .
( وفي سنة سبع وخمسين ومائتين ) في رجب قتل الأمير محمد ، قتله خدمه الخصيان ، وهربوا ، فطلبهم الناس ، فأدركوهم ، فقتلوهم .