في سنة ثمان وأربعين ومائتين توفي المنتصر في يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الآخر ، وقيل : يوم السبت ، ( وكنيته أبو جعفر أحمد بن المتوكل على الله ، وقيل : كنيته أبو العباس ، وقيل : أبو عبد الله ) .
وكانت علته الذبحة في حلقه أخذته يوم الخميس ، ( لخمس بقين من شهر ربيع الأول ) .
وقيل : كانت علته من ورم في معدته ، ثم صعد إلى فؤاده فمات ، وكانت علته ثلاثة أيام .
وقيل : إنه وجد حرارة ، فدعا بعض أطبائه ، ففصده بمبضع مسموم ، فمات منه ، وانصرف الطبيب إلى منزله وقد وجد حرارة ، فدعا تلميذا ليفصده ، ووضع مباضعه بين يديه ليستخير أجودها ، فاختار ذلك المبضع المسموم ، وقد نسيه الطبيب ، ففصده به ، فلما فرغ إليه نظر إليه فعرفه ، فأيقن بالهلاك ، ووصى من ساعته .
وقيل : إنه كان قد وجد في رأسه علة ، فقطر ابن الطيفوري في أذنه دهنا ، فورم رأسه ، فمات .
وقيل : بل سمه ابن الطيفوري في محاجمه فمات .
وقيل : كان كثير من الناس حين أفضت الخلافة إليه إلى أن مات يقولون : إنما مدة حياته ستة أشهر ، مدة شيرويه بن كسرى ، قاتل أبيه ، يقوله الخاصة والعامة .
وقيل : إنه جلس للهو ، فرأى في بعض البسط دائرة فيها فارس وعليه تاج ، وحوله كتابة فارسية ، فطلب من يقرأ ذلك ، فأحضر رجل ، فنظره فقطب ، فقال : (ما هذه ؟ قال : لا معنى لها ، فألح عليه ، فقال : أنا شيرويه بن كسرى بن هرمز ، قتلت أبي لم أمتع بالملك إلا ستة أشهر ، فتغير وجه المنتصر ) .
وفي «لطائف المعارف» للثعالبي : ; فإنه هو وآباءه الخمسة خلفاء ، وكذلك أخواه المعتز والمعتمد ) . (أعرق الخلفاء في الخلافة : المنتصر
قلت : أعرق منه : المستعصم الذي قتله التتار ، فإن آباءه الثمانية خلفاء . وقيل : كان رأى في منامه كأنه يصعد سلما ، فبلغ إلى آخر خمس وعشرين درجة ، فقصها على بعض المعبرين ، فقال له : هذه خمس وعشرون سنة تلي فيها الخلافة . وإذا هي مدة عمره ، قد استكملها في هذه السنة . وقال بعضهم : دخلنا عليه يوما فإذا هو يبكي وينتحب شديدا ، فسأله بعض أصحابه عن بكائه ، فقال : رأيت أبي المتوكل في منامي هذا وهو يقول : ويلك يا محمد قتلتني وظلمتني وغصبتني خلافتي ، والله لا متعت بها بعدي إلا أياما يسيرة ثم مصيرك إلى النار . قال : فما أملك عيني ولا جزعي . فقال له بعض أصحابه من الغرارين الذين يغرون الناس ويفتنونهم : هذه رؤيا وهي تصدق وتكذب ، فقم بنا إلى الشراب ; ليذهب همك وحزنك . فأمر بالشراب فأحضر وجاء ندماؤه ، فأخذ في الخمر وهو منكسر الهمة ، وما زال كذلك مكسورا حتى مات . وقال بعضهم : وذكر أن المنتصر كان شاور في قتل أبيه جماعة من الفقهاء ، وأعلمهم بمذاهبه ، وحكى عنه أمورا قبيحة كرهت ذكرها ، فأشاروا بقتله ، فكان كما ذكرنا بعضه . المنتصر
وكان عمره خمسا وعشرين سنة وستة أشهر ، وقيل : أربعا وعشرين سنة ، وكانت خلافته ستة أشهر ويومين ، وقيل : كانت ستة أشهر سواء .
وكانت وفاته بسامرا ، فلما حضرته الوفاة أنشد :
وما فرحت نفسي بدنيا أخذتها ولكن إلى الرب الكريم أصير
وصلى عليه أحمد بن محمد بن المعتصم بسامرا ، وبها كان مولده .وكان أعين ، أقنى ، قصيرا ، مهيبا .
وهو أول خليفة من بني العباس عرف قبره ، وذلك أن أمه طلبت إظهار قبره .
وكانت أمه أم ولد رومية . وذكر ابن جرير أن أم الخليفة دخلت عليه ، وهو في مرضه الذي مات فيه ، فقالت له : كيف حالك ؟ فقال : ذهبت مني الدنيا والآخرة . ولما احتضر قال : (يا أماه; ذهبت مني الدنيا والآخرة ، عاجلت أبي فعوجلت ) .