الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            موت المنتصر  

            في سنة ثمان وأربعين ومائتين توفي المنتصر في يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الآخر ، وقيل : يوم السبت ، ( وكنيته أبو جعفر أحمد بن المتوكل على الله ، وقيل : كنيته أبو العباس ، وقيل : أبو عبد الله ) .

            وكانت علته الذبحة في حلقه أخذته يوم الخميس ، ( لخمس بقين من شهر ربيع الأول ) .

            وقيل : كانت علته من ورم في معدته ، ثم صعد إلى فؤاده فمات ، وكانت علته ثلاثة أيام .

            وقيل : إنه وجد حرارة ، فدعا بعض أطبائه ، ففصده بمبضع مسموم ، فمات منه ، وانصرف الطبيب إلى منزله وقد وجد حرارة ، فدعا تلميذا ليفصده ، ووضع مباضعه بين يديه ليستخير أجودها ، فاختار ذلك المبضع المسموم ، وقد نسيه الطبيب ، ففصده به ، فلما فرغ إليه نظر إليه فعرفه ، فأيقن بالهلاك ، ووصى من ساعته .

            وقيل : إنه كان قد وجد في رأسه علة ، فقطر ابن الطيفوري في أذنه دهنا ، فورم رأسه ، فمات .

            وقيل : بل سمه ابن الطيفوري في محاجمه فمات .

            وقيل : كان كثير من الناس حين أفضت الخلافة إليه إلى أن مات يقولون : إنما مدة حياته ستة أشهر ، مدة شيرويه بن كسرى ، قاتل أبيه ، يقوله الخاصة والعامة .

            وقيل : إنه جلس للهو ، فرأى في بعض البسط دائرة فيها فارس وعليه تاج ، وحوله كتابة فارسية ، فطلب من يقرأ ذلك ، فأحضر رجل ، فنظره فقطب ، فقال : (ما هذه ؟ قال : لا معنى لها ، فألح عليه ، فقال : أنا شيرويه بن كسرى بن هرمز ، قتلت أبي لم أمتع بالملك إلا ستة أشهر ، فتغير وجه المنتصر ) .

            وفي «لطائف المعارف» للثعالبي : (أعرق الخلفاء في الخلافة : المنتصر   ; فإنه هو وآباءه الخمسة خلفاء ، وكذلك أخواه المعتز والمعتمد ) .

            قلت : أعرق منه : المستعصم الذي قتله التتار ، فإن آباءه الثمانية خلفاء . وقيل : كان المنتصر  رأى في منامه كأنه يصعد سلما ، فبلغ إلى آخر خمس وعشرين درجة ، فقصها على بعض المعبرين ، فقال له : هذه خمس وعشرون سنة تلي فيها الخلافة . وإذا هي مدة عمره ، قد استكملها في هذه السنة . وقال بعضهم : دخلنا عليه يوما فإذا هو يبكي وينتحب شديدا ، فسأله بعض أصحابه عن بكائه ، فقال : رأيت أبي المتوكل في منامي هذا وهو يقول : ويلك يا محمد قتلتني وظلمتني وغصبتني خلافتي ، والله لا متعت بها بعدي إلا أياما يسيرة ثم مصيرك إلى النار . قال : فما أملك عيني ولا جزعي . فقال له بعض أصحابه من الغرارين الذين يغرون الناس ويفتنونهم : هذه رؤيا وهي تصدق وتكذب ، فقم بنا إلى الشراب ; ليذهب همك وحزنك . فأمر بالشراب فأحضر وجاء ندماؤه ، فأخذ في الخمر وهو منكسر الهمة ، وما زال كذلك مكسورا حتى مات . وقال بعضهم : وذكر أن المنتصر كان شاور في قتل أبيه جماعة من الفقهاء ، وأعلمهم بمذاهبه ، وحكى عنه أمورا قبيحة كرهت ذكرها ، فأشاروا بقتله ، فكان كما ذكرنا بعضه .

            وكان عمره خمسا وعشرين سنة وستة أشهر ، وقيل : أربعا وعشرين سنة ، وكانت خلافته ستة أشهر ويومين ، وقيل : كانت ستة أشهر سواء .

            وكانت وفاته بسامرا ، فلما حضرته الوفاة أنشد :


            وما فرحت نفسي بدنيا أخذتها ولكن إلى الرب الكريم أصير

            وصلى عليه أحمد بن محمد بن المعتصم بسامرا ، وبها كان مولده .

            وكان أعين ، أقنى ، قصيرا ، مهيبا .

            وهو أول خليفة من بني العباس عرف قبره ، وذلك أن أمه طلبت إظهار قبره .

            وكانت أمه أم ولد رومية . وذكر ابن جرير أن أم الخليفة دخلت عليه ، وهو في مرضه الذي مات فيه ، فقالت له : كيف حالك ؟ فقال : ذهبت مني الدنيا والآخرة . ولما احتضر قال : (يا أماه; ذهبت مني الدنيا والآخرة ، عاجلت أبي فعوجلت ) .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية